أحسب أنه بات مؤكدا لكل جموع الشعب، وجميع القوي الوطنية في مجتمعنا، علي تنوع مستوياتهم الفكرية والثقافية، وتعدد انتماءاتهم السياسية والعقائدية، أن مصر مستهدفة في أمنها وأمانها، وأنها أصبحت الآن في مواجهة شرسة مع قوي الإرهاب الأسود، التي تحيك المؤامرات ضد سلامة الوطن واستقراره. وأصبح واضحا لكل مواطن علي أرض مصر، أن جريمة الاسكندرية بما مثلته من بشاعة وخسة، كانت هي الطلقة الأولي في هذه المواجهة، وأن أمامنا جميعا معركة ضارية وممتدة ولا هوادة فيها مع طيور الظلام التي تريد العودة بمصر الي عصور الجهالة، وتسعي بكل الشر للدمار والخراب ووقف مسيرة التقدم والإصلاح. ولعلي أقرر الواقع إذا ما قلت أن الهدف من وراء تلك المؤامرة الرخيصة علي مصر ليس مجهولا، ولا خافيا علي أحد منا أو من غيرنا،..، وأن الكل يري ويدرك أن مصر المستقرة، والصلبة، والآمنة، هي مركز الثقل، ورمانة الميزان في هذه المنطقة بالغة الحساسية والأهمية من العالم، وبالغة الاضطراب أيضا،...، وأن مصر هي العقبة أمام كل من يحاول فرض هيمنته وسيطرته علي المنطقة. وإذا ما ألقينا نظرة سريعة حولنا، وتأملنا ما هو حادث في المنطقة لوجدنا الاضطراب وعدم الاستقرار يشمل عموم الصورة، ومجمل الخريطة، العربية، والشرق أوسطية، سواء في الشمال الأفريقي، حيث تونس والجزائر، بما فيهما من أحداث مشتعلة، وفي الجنوب حيث السودان وما يعيشه حاليا من مقدمات انفصال بين أجزائه، أصبح في حكم الواقع، وتجاوز مرحلة التوقع،..، أو فلسطينالمحتلة، وما هي غارقة فيه من انقسام وخلاف بين الفصائل المتناحرة والمتصارعة،..، أو العراق الذي يعيش محنة حقيقية منذ الغزو والإحتلال لم يبرأ منها حتي الآن،..، أو في منطقة الخليج التي تتعرض لمحاولات الاستفزاز والتهديد المستمرة والمتصاعدة من الدولة الفارسية الطامعة في مد النفوذ والهيمنة علي من حولها،..، أو في الصومال الذي افتقد منذ سنوات طويلة كل مقومات ومظاهر الدولة،..، أو في اليمن الذي يعاني الآن من تدخلات خارجية، وانقسامات داخلية، ومحاولات للإنفصال،..، أو في غيرها وغيرها من الدول والأقطار الممتدة علي الخريطة من حولنا سواء في الشرق أو الغرب أو الجنوب،..، وصولا الي افغانستان وما يجري فيها ولها منذ عشر سنوات وحتي الآن. ورغم بؤس الصورة العامة لما ذكرناه، إلا ان الصورة تزداد بؤسا إذا ما اضفنا اليها ما يجري الآن في لبنان، ومايتعرض له من صراع يزداد حدة وتصعيدا يوما بعد يوم، وما يحمله في طياته من احتمال التفجر والإشتعال في كل لحظة، وفي كل يوم، في ظل التدخلات السافرة والمعلنة لإيران في الشأن اللبناني، والإنقسام الواقع هناك منذ اغتيال رئيس الوزراء الحريري، وحتي الآن.
وقد اردت بهذا الطواف السريع علي الواقع من حولنا، ان أوضح لكل من يريد أن يري، مدي الاضطراب وعدم الاستقرار، الذي يحيط بنا من كل جانب، ومدي ما يطرحه علينا هذا الواقع من تحديات مصيرية تتطلب اكبر قدر من اليقظة، وأعظم قدر من التنبه والإستعداد للمواجهة والتصدي للأخطار المحيطة بنا. والحقيقة المؤكدة التي نعرفها نحن، ويعرفها العالم معنا تؤكد أن هذه الاضطرابات، وتلك النيران المشتعلة في كل مكان من حولنا، لم تحدث فجأة، ولم تقع بالصدفة، ولكن هناك من يعمل لها، ومن يغذيها، ومن يسعي لتصعيدها، ومن يجد فيها ما يتوافق مع مصالحه وأهدافه ومطامعه الإقليمية والدولية، ومخططاته الاستراتيجية.
ونحن هنا لا نتحدث عن ظنون غير محققة، ولكننا للأسف نتحدث عن واقع حقيقي، وملموس، ومرأي، نراه ونلمسه علي ارض الواقع،..، ولمن يريد ان يتأكد عليه بالنظر والتدقيق فيما هو قائم بالفعل الآن في كل المواقع التي ذكرناها، وكل الدول التي حددناها، وعليه ان يتذكر ما بشرت به وزيرة الخارجية الامريكية في عهد الرئيس بوش الابن، »كونداليزا رايس« مع بدايات الغزو والاحتلال الامريكي للعراق، من فوضي تعم المنطقة، وتنتشر فيها، وكيف ادعت ان هذه الفوضي خلاقة، وأنها ستخلق واقعا جديدا في المنطقة العربية والشرق أوسطية. وبغض النظر عن المفارقة الشاذة واللافتة للنظر، في ادعائها أن الفوضي خلاقة، في الوقت الذي نعلم فيه جميعا ان الفوضي لا يمكن ان تكون كذلك، بل هي بالقطع مدمرة، إلا اننا لابد ان نضع ما قالته نصب اعيننا، وفي حسباننا لأن ما نراه من حولنا الآن بالفعل والواقع، هو الفوضي في كل مكان، ولكنها بالقطع ليست خلاقة. ونحن في ذات الوقت لا نتحدث عن أوهام، ولسنا من هواة الأخذ بالتفسير التآمري للأحداث، أو التاريخ، بالرغم من ان التاريخ مليء بالمؤامرات، ولكننا لا نستطيع ان نتجاهل ما تقوم به ايران من تآمر وتهديد لأمن الخليج، وتدخلها الواضح ونفوذها البارز في العراق بعد الغزو والاحتلال، في ظل الموافقة والرعاية الامريكية المؤكدة علي ارض الواقع، والمنفية والمستنكرة في التصريحات الكلامية فقط لا غير،..، ولا نستطيع ان نغمض اعيننا عن تدخلها السافر في لبنان، ونفوذها المستشري والواضح في غزة، وتربصها الدائم بمصر ومحاولاتها المستمرة لتهديد امنها واستقرارها.
وقد يكون من المهم والضروري في كل تلك الأمور أن نذكر بصراحة، ووضوح، ان كل الطامعين والمتربصين بالمنطقة، سواء في ذلك القوي الدولية، أو الاقليمية، يدركون باليقين ان جميع المخططات، والترتيبات لهذه المنطقة من العالم، لا يمكن ان يكتب لها النجاح، أو الاستمرارية، أو الثبات، في غيبة مصر، ودون موافقتها، ودون رضاها،..، ويدركون في ذات الوقت ان كل المحاولات التي تبذل لإحداث تغييرات اساسية في المنطقة لن تري النور طالما ان مصر ترفضها، وتري فيها ما يتعارض مع مصالح المنطقة العربية، ومصالحها القومية والوطنية. من هنا كانت مصر مستهدفة، ومن اجل ذلك كان السعي الدائم من جميع القوي الاقليمية، والدولية، الطامعة في المنطقة، والراغبة في السيطرة عليها، ورسم خريطة جديدة لها، للتدخل في شئون مصر، ومحاولة اضعافها، وهز استقرارها، والتآمر علي أمنها، حتي تنشغل بنفسها وتنكفيء علي ذاتها فلا تجد الوقت ولا القوة لمواجهة مخططاتهم، أو التصدي لأهدافهم، وإفشال مشروعهم الهدام والمدمر للمنطقة. ولعلنا لا نبعد كثيرا عن الحقيقة إذا ما قلنا ان تلك القوي المتآمرة في سعيها لإضعاف مصر، وهز استقرارها، لم ولن تتورع عن اللجوء الي احط السبل، واكثرها خسة ونذالة، ولذلك فإنها مستعدة للتحالف مع الشيطان من اجل الوصول الي اهدافها، وتنفيذ مآربها،..، وقد وجدت ضالتها في شيطان الإرهاب، وتحالفت معه، ايمانا منها بأنه الوسيلة التي ستحقق لها ما تريد، وايمانا منها في ذات الوقت ان قوة مصر تكمن في وحدة شعبها، وقوة وتماسك نسيجها الوطني، وأن السبيل الوحيد لاضعاف مصر هو التأثير علي هذه الوحدة، ومحاولة احداث شق في هذا النسيج، ينفذون منه وبه الي قلب مصر، ويوجهون اليه طعناتهم الغادرة، ويصوبون إليه سهام الشر، والفرقة والتمزق.
من هنا كانت الطعنة موجهة بكل الخسة والنذالة، الي وحدة الأمة، وكان الهدف ولا يزال اشعال نار الفتنة،..، ومن أجل ذلك قلنا منذ أول لحظة وقع فيها الحادث الارهابي الجبان، انه من الضروري علي كل المواطنين، وكل الأخوة والأبناء من الشباب المصري ان يدرك باليقين ان الكنائس ليست هي المقصودة فقط، ولا المستهدفة بالذات في جريمة الإرهاب التي ارتكبتها يد الغدر والضلال بالاسكندرية،..، ولكن المقصود والمستهدف بمؤامرة الارهاب الخسيسة هي مصر ذاتها، مصر بكل ما تعنيه وتمثله من استقرار وأمن وأمان، وسلام. ومن أجل ذلك نقول ونؤكد، ان المؤامرة التي حيكت خيوطها في سراديب الإرهاب المظلمة، موجهة الي قلب مصر، النابض بالخير، والسلام والمحبة، والايمان، بكل ما تضمه بين ثناياها من نسيج اجتماعي واحد، وقيم انسانية رفيعة وقيم دينية وسطية ومتسامحة. وفي هذا الإطار يجب ان يكون واضحا لنا جميعا، ان ما وقع هو جريمة إرهابية مخططة بدناءة ضد مصر، وأن الأصابع الخارجية فيها غير مستترة، بل هي معلنة بسفور فاجر، سواء من جانب من هددوا بها قبل التنفيذ، أو من اعلنوا مسئوليتهم عنها فور ارتكابها، أو حتي من يتخفي وراءهم، ويدفع بهم ولهم، ويستخدمهم لبلوغ اهدافه وتحقيق غاياته السوداء. وانطلاقا من ذلك قلنا ونؤكد من جديد ان علينا جميعا، نحن ابناء هذا الوطن، ان ندرك ان الهدف هو توجيه ضربة الي قلب مصر، في محاولة جبانة لهز استقرار الوطن، وإحداث شرخ في وحدة مواطنيه، والتأثير بالسلب علي نسيجه الاجتماعي الوطني المترابط، وإذكاء روح الفرقة، والإنقسام في صفوفه، ونشر دعاوي الطائفية، وإشعال نار الفتنة.
وبقي ان نؤكد بما لا يدع مجالا للشك، ان علينا جميعا الوقوف صفا واحدا في مواجهة المؤامرة التي باتت واضحة المعالم، معلنة الأهداف والمقاصد، حتي نستطيع هزيمتها والقضاء عليها. وفي هذا الخصوص، لابد ان نقول بصراحة، ودون تردد ان طريق المواجهة والإنتصار الحاسم، في معركتنا ضد الإرهاب الاسود، هو التمسك القوي والصلب بوحدتنا الوطنية، في اطار الدولة المدنية الحديثة، التي تقوم في اساسها علي إعلاء قيمة المواطنة، طبقا لما جاء في الدستور، وأن يتم بصرامة وبقوة القانون محاسبة وردع كل من يخرج علي ذلك، وكل من يسعي لضرب المواطنة، أو الخروج علي مبادئها، بالترويج للإحتقان الطائفي، أو إشعال نار الفتنة، أو يمارس نوعا من التفرقة والتمييز بين المصريين علي اساس الدين أو اللون، أو العرق، أو الجنس،..، وهذا يستدعي تحركا سريعا وواعيا وحكيما في نفس الوقت.