للأسف الشديد، نجح الغرب بمساعدة الجماعات الإرهابية، في الترويج لفكرة ، أن التطرف منتج إسلامي، دون النظر إلي ممارسات إسرائيل. مواجهه داعش ضرورة، فهي وبال علي الإسلام والمسلمين ،ولكن التصدي للتطرف اليهودي واجب ديني وسياسي، وكلاهما مدان . ولكني لا افهم ،كيف تستطيع واشنطن ،أن تشكل مثل هذا التحالف الدولي للحرب علي داعش ؟ دون أن نسمع كلمة واحدة، أو تعليقاً من أي مسئول، علي اي مستوي، يتناول بل حتي لا يدين ما تقوم به عناصر التطرف اليهودي ضد مدينه القدس ،واستهداف المسجد الأقصي بصوره غير مسبوقة، كما أنني لم استوعب ،عدم تحرك الدول العربية الفاعلة في التحالف ضد داعش، للضغط علي دول الغرب المعنية بالقضاء علي التنظيم، لتهتم وبنفس الدرجة، بمواجهة التطرف اليهودي ،واعتبار بعض التنظيمات اليهودية إرهابية ، تستحق القتال ضدها، فممارساتها أول الطريق للحروب الدينية، وهي وفقا للتاريخ لا تبقي ولا تذر، بدايتها معروفه ،ولكن نهايتها مجهولة. ونحن في هذه الحالة نتحدث عن ثالث الحرمين، ومسري الرسول الكريم ،بعد أن تجرأت الحكومة الإسرائيلية ، وقامت بإغلاق المسجد ومنع الصلاة فيه ، في إجراء هو الأول منذ عام 1967، كما قامت القوات الإسرائيلية بتدنيس المسجد ،والدخول إلي باحاته ،ناهيك عن الزيارات التي أصبحت شبه يومية، من متطرفين يهود من المنتمين إلي الأحزاب الحاكمة من أعضاء الكنيست إلي المسجد . يترافق ذلك مع صمت عربي وإسلامي ، سوي من الأردن بحكم مسئوليته التاريخية عن الأماكن المقدسة في المدينة، باعتراف تل ابيب ،وفي اتفاقيه وادي عربه للسلام بين الجانبين في عام 1994 ،هو ما شجع قادة التطرف الإسرائيلي علي الاستمرار، والسير خطوات باتجاه تنفيذ المخططات القديمة، التي تستهدف القدس كمدينة، والمسجد كقيمة دينية لدي المسلمين. أما المدينة فيتم فصلها سكانيا ، عن بقية محيطها الفلسطيني في الضفة الغربية، عبر الجدار العازل، والذي يتضمن نقاط عبور، يتم تحديد أوقات معينه للفلسطينيين، للخروج أو الدخول، كما تفرض تل ابيب علي سكانها والمنطقة المحيطة بها هويات خاصة ،وليست فلسطينية ،وتجعل من قبول ذلك شرطاً للبقاء في مساكنهم ،ناهيك عن مشروعات الاستيطان التي تتم علي قدم وساق ، في اتجاه لتهويد المدينة ،بزرعها بآلاف المستوطنين، ووصل الأمر إلي أن البلدة القديمة، والتي تقع خلف الأسوار التاريخية، يسكنها 4 آلاف مستوطن إسرائيلي مع سكانها الأصليين وعددهم 30 ألفاً . والأمر اخطر وأفدح ،إذا تعلق بالمسجد الأقصي والذي أصبح مستباحا، ويشهد سلسلة مواجهات منذ يونيو الماضي ،بعد اختطاف الشاب الفلسطيني محمود ابو خضير وقتله حرقا ، والأمر يشبه الانتفاضة الصامتة ،ومن يومها والاستفزازات الإسرائيلية مستمرة، ليس فقط من عناصر حركة أمناء الهيكل ،الذين دأبوا علي مداهمة المسجد، ولكن من قيادات سياسية ودينية، نائبة وزير المواصلات تسيبي حوتوفيلي، اقتحمت الأسبوع الماضي المسجد، وقامت بجولة في المكان ،ونادت بتغيير الوضع القائم حاليا، وهو ما ذهب إليه وزير الإسكان اوري اريئيل، وكذلك فعلها نواب في الكنيست، ومنهم شولي معلم من حزب البيت اليهودي، وقبله موشيه فيجلين من الليكود، الذي يدعو إلي إقامة هيكل سليمان، أما ميري ريغف من نفس الحزب، فقد قدمت اقتراح قانون بتقاسم الاقصي بين اليهود والمسلمين،كما هو عليه الحال في الحرم الإبراهيمي، بمعني تخصيص ساعات للمسلمين، وأخري لليهود، وفي حالة وجود عيد لليهود يمنع العرب من الصلاة، والعكس صحيح، كما أن إسرائيل تبحث فكرة مشروع قانون بسحب الوصاية الأردنية، عن الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، ووضعها تحت الإشراف الإسرائيلي . وللتذكرة فقد اقتحم المتطرف اليهودي جولد شتاين الحرم الإبراهيمي، وارتكب مذبحة في حق المصلين ،فقامت إسرائيل يومها بإغلاق المسجد، وفرض حظر التجول 40 يوما في المدينة ، وبعدها بدأ تنفيذ مخطط تقسيم الحرم الإبراهيمي ،وللتاريخ أيضا فإن الانتفاضة الثانية ،بدأت عندما قام شارون في صيف عام 2000 باقتحام المسجد، والتجول مع مجموعة من المستوطنين في ساحات الأقصي . وخبرة التاريخ جعلتنا لا نثق كثيرا ،في محاولات التهدئة من جانب أركان الحكومة الإسرائيلية، سواء من نتنياهو أو وزير خارجيته ليبرمان ،في انتقاداتهم لتلك الزيارات ،أو اعتبارها نوعا من الشو الإعلامي ومخاطبة جمهور المتطرفين اليهود، فالأمر يعود إلي أسباب داخلية، ومنها الحفاظ علي الائتلاف الحاكم، وتفادي الدعوة إلي انتخابات جديدة ،ولكنهم جميعا من أقصي اليمين إلي قوي اليسار، وبدرجات مختلفة ،في انتظار الوقت المناسب للانتصار في معركة القدس، كما قال نتنياهو نفسه في تصريح أخير له، فكلهم مع القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ،وهو القرار الذي اتخذ عام 1980، وهم جميعا مع السعي إلي تعديل وضع المسجد، والوصول إلي الحلم اليهودي بهدمه، وإقامة هيكل سليمان مكانه. وللأسف الشديد، نجح العالم بمعاونة من بعض الجماعات الإرهابية العربية، مثل داعش، ومن قبلها القاعدة، وأنصار الشريعة وأنصار بيت المقدس، في التعامل مع التطرف ،كما لو كان منتجا إسلاميا، دون النظر إلي ما تقوم به إسرائيل، في حق الشعب الفلسطيني من الاستيلاء علي أرضه، والتنكيل به، والأمل فقط، في المرابطين من أهالي القدس والضفة وغزة ، بعد أن استهلكت الخلافات كلا من السلطة والفصائل الفلسطينية، وبعد أن تم إغراق العالم العربي والإسلامي، في مشاكل داخلية أصبحت تحظي بجل اهتماماته .