الأمة في حاجة إلي عقول واعية، صاحبة سيادة لا عقول تابعة لقوي الهيمنة الخارجية هذا كتاب: »خيانة المثقفين« لمؤلفه د. عبدالحكيم بدران، هو سيمفونية فكرية وبانوراما ثقافية، يغوص في عالم المثقفين، علي امتداد الوطن العربي، كاشفا ومحللا لادوارهم الخطيرة وتحالفاتهم الرديئة التي تندرج تحت عنوان كبير:» شلة المثقفين المتحدة« الذين يتبادلون المصالح والعطايا، وتتغير مواقفهم بمقدار ما يحصلون عليه من مكاسب ومزايا، ولا يرون في ذلك غضاضة في التحول والتلون بزاوية 081 درجة، لا لأنهم اصابتهم فضيلة الاعتراف بالخطأ، أو مراجعة النفس والمواقف.. وفي تحولهم وتلونهم لا يقيمون وزنا لقيم ومسئوليات المثقف المنوط به تنوير الشعب بحقوقه وواجباته، المتصدي لكل أنواع الفساد أو التستر علي الممارسات السياسية الخاطئة، ولتذهب الاماني القومية الي الجحيم، ويضع المؤلف اصبعه علي مواطن الداء، مشيرا الي ان الأمة العربية تقف اليوم في مفترق الطرق، قضايا داخلية وخارجية بالغة الخطورة وكان واجب المثقف الملتزم بقضايا وطنه وامته ان يتخذ منها موقفا محددا، وفق قناعاته ومرجعيته حريصا علي ثوابت الامة، مؤكدا علي هوية المجتمع ورسالته الانسانية، غير ان السيولة والميوعة في مواقف كثير من المثقفين جرتنا إلي حالة من التمزق، استفاد منها العدو الخارجي، الاعداء التقليديون للامة العربية والاسلامية وفقدنا روح التماسك والالتزام، واصبحنا من جديد تحت حصار صليبي دون جيوش، سهل مهمته طابور خامس من جنسنا، سلمنا فريسة سهلة لقوي الهيمنة، ويجب الا نخدع بمقولات فاسدة، منها مثلا: ما كنا نحسبه خيانة، ما هو الا تعبير عن الرأي الاخر، او وجهات نظر، فالمطالبون بالتطبيع مع العدو الصهيوني أو من يطبعونه فعلا من جانب بعض المثقفين، ان لم يخونوا الامة بالمعني الحرفي، فعلي الاقل قد خانوا عهدا اخذه المثقفون والخلصاء علي انفسهم، واذا كانت الدعوة الي الحوار معه السلاميين الاسرائيليين تدخل في نطاق حرية الرأي، فهل تمثل الدعوة الي احتفالية مرور مائتي عام علي الحملة الفرنسية بعدوانهم الاستعماري علي مصر تعبيرا ايضا عن الرأي أم ينطبق عليه القول : »اللي ما يلحقش امريكا، يلحق فرنسا«. ان مفهوم الخيانة لا ينحصر فقط في التخابر مع الاعداء، فالخيانة اخطر من ذلك بكثير تتمثل في الوقوف ضد رغبات الشعب وامانيه في حياة آمنة، ومستقرة، ونظم حكم رشيد ولا يركن المثقف الي تبرير الاخطاء والمفاسد او الوقوف مع الاجنبي والعمالة الثقافية تحت دعاوي خادعة، والاعتماد اكثر من اللازم في »الأنا« وتضخيم الذات وفي هذا التوجه يجب الا نظلم الاخر ، ونستبد به، ونلغي كيانه وافكاره، ولو شاء الله لجعلنا علي فكر واحد. وانما منحنا القدرة علي الاختيار والتمييز بين ما هو حق، وما هو باطل، ما هو حلال، وما هو حرام.. إلخ.. واخطر الخيانات خيانة الامة بمحاولة طمس هويتها، وانكار ذاتها، لتفقد بالتالي اتزانها، وتظل تتخبط في نفق لا تري الضوء في آخره. ومن البديهي ان نقف ونتساءل عن الاسباب التي جعلت المثقفين، بعضهم ولا اقول جميعهم علي هذا الحال يخون حلم الامة وامالها. سؤال طرحه المؤلف مفتوحا بلا اجابة محددة، مشيرا الي بعض مواقف المثقفين، وما فعلته اياديهم في القرن الماضي، مع تعليق بسيط من مواطن عادي، من حقه ان يقول رأيه فيما يقرأه، في محاولة لتبادل الرأي والفكر مع مواطنيه. وقد اوجز المؤلف ما يود ان يشير إليه في عدة نقاط: المفكرون العرب يتكلمون عن مجتمعاتهم بلغة اجنبية، وبفكر مستورد، ولا يتركون مجتمعاتهم تتكلم بلغتها العربية عن آمالها وطموحاتها وسيرها المستمر في طريق الآلام والمعاناة حتي أدمي الشوك اقدامها. صار الاهتمام، في الامة العربية، بالشأن العام جريمة، يعاقب عليها بمختلف العقوبات المعروفة... اما بالملاحقة او العزل الثقافي الفعلي. لقد استمرأ هذا النفر من المثقفين الامساك بالمراكز القيادية، وهؤلاء اضاعوا الفرصة امام شعوبهم لقيام دولة المؤسسات، التي تعمل تحت ارشاد قيادات قوية ومؤمنة بمباديء الرقي الانساني والتحضر والتقدم وبالحرية المسئولة والديمقراطية الصحيحة. اصبح، في عقيدة هذا البعض، ان كل شيء في هذه الحياة يشتري بالمال، اما بالرشوة الصريحة أو المقننة. غدت الحروب الاقتصادية اقوي واعتي من حروب السلاح. النظام العالمي الجديد لا يعتقد في قومية ولا في عقيدة، والكوكبية في حقيقتها شأنها شأن الشيوعية، تدعو الي الغاء الأديان والاعراف والقوميات. شاعت في حياتنا كلمات : »اللامنتمي«.. و»اللامهتم« .. وكلاهما بمعني واحد! الأمة في حاجة إلي عقول واعية، صاحبة سيادة، لا عقول تابعة لقوي الهيمنة الخارجية. علي كل حال، هو كتاب يحفزك علي القراءة لتعرف اكثر، وليعرف القاريء العادي ما يدور حوله من احداث ووقائع، باسمه، علي الساحة الثقافية والفكرية، كتاب جدير بالقراءة المتأنية، ومؤلفه د. عبدالحكيم بدران يستحق التحية والتقدير. مقال في كلمات ضمير بلا اعتقاد في الله، يكون كمحكمة ليس بها قضاة. افضل الايمان ان تعلم ان الله معك حيثما كنت. التنمية لا تكون بالعلم وحده، انما ينبغي ان يقترن العلم بتنمية الضمير. النفاق شيء شائع في اي ارض تحكمها ارادات فردية، ولا يستتب فيها حكم القانون. في الدول المتخلفة يظل المسئولون يبحثون عن جهلاء لتعيينهم اعضاء في مجالس البحوث. الصحفي الذي لا يحترم قلمه لا يمكن ان يحترمه القراء. الوطنية اصبحت صناعة اهم من صناعة السينما. العجيب ان الناس يكرهون السمسار، البائع يمقته، والمشتري يكرهه، ومع ذلك فهو همزة الوصل بين الاثنين، لولاه ما كان بيع ولا شراء. بموت هذا الانسان، اشعر ان رأسمال العظمة نقص كثيرا. اكبر مقومات الضمير هو الاعتقاد بإله قادر يحاسب علي الكبائر والصغائر، ويطلع علي ما تكنه السرائر وبحياة بعد هذه الحياة، يثاب أو يعاقب فيها الانسان علي ما قدمت يداه. هذا المفكر ليس بأكبر من أن يخطيء، ولا أنت بأصغر من أن تصيب.