د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف إن ديننا هو دين الحضارة والرقي، واليسر والتسامح، هذا هو جانب العظمة في مجال الأخلاق الذي نكتفي بإلقاء الضوء عليه في هذا المقال. فالإسلام قائم علي السماحة واليسر، ودفع المشقة، ورفع الحرج عن الأمة، يقول الحق سبحانه وتعالي: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ( البقرة: 185)، ويقول سبحانه: ".. .. . وما جعل عليكم في الدين من حرج .. .. " (الحج: 78)، ويقول سبحانه: " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر.. . " (آل عمران: 159)، ويقول سبحانه: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " (التوبة: 128)، ويقول سبحانه: " واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون " (الحجرات: 7)، ويقول سبحانه: " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين.. . " (الإسراء: 82)، فالقرآن رحمة وشفاء، والرحمة لا تنزع إلا من شقي، ومن لا يرحم، والمؤمن سهل هين لين يألف ويؤلف، والكافر فظ غليظ لا يألف ولا يؤلف. ولقد تحدث القرآن الكريم عن الصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل، فقال سبحانه مخاطبا نبينا محمد ( صلي الله عليه وسلم ): ".. . فاصفح الصفح الجميل" (الحجر: 85)، وهو الذي لا من معه، علي نحو ما كان منه ( صلي الله عليه وسلم ) يوم فتح مكة حين قال لهم وقد آذوه وأخرجوه وقاتلوه، وقتلوا أعز الناس عليه، لكنه عفا وصفح، وقال (صلي الله عليه وسلم) لهم: " يا أهل مكة ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال (صلي الله عليه وسلم) اذهبوا فأنتم الطلقاء ". وتحدث القرآن الكريم عن الصبر الجميل، فقال سبحانه علي لسان يعقوب عليه السلام: " فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون " (يوسف: 18)، ".. . فصبر جميل عسي الله أن يأتيني بهم جميعا.. . " (يوسف: 83)، وهو الصبر الذي لا شكوي معه لغير الله، ولا بأس معه من رحمة الله. وتحدث عن الهجر الجميل حتي مع الكفار والمشركين، فقال لحبيبنا محمد ( صلي الله عليه وسلم ) في شأن الكافرين: " .. . واهجرهم هجرا جميلا " (المزمل: 10)، وهو الهجر الذي لا أذي معه، ولا غدر معه، ولا سوء معه، فما بالنا حتي مع أصدقائنا وذوي أرحامنا لا نحفظ عهدا، ولا ذمة، ولا قرابة، ولا رحم؟ يقول الحق سبحانه: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم * أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها " (محمد: 22، 23، 24). إن عظمة القرآن الكريم في جوانبه الأخلاقية لا تقل عن جوانبه العلمية والبيانية والكونية، فآيات القرآن في شأن الأخلاق والقيم الإنسانية والعمل علي ترسيخها أوضح من الشمس في رابعة النهار، وأجلي لذي عينين من البدر ليلة تمه، سواء في الحث علي أداء الأمانة، أو الوفاء بالعهد، أو صدق الحديث، أو غض البصر، أو عفة اللسان، أو حفظ الحرمات. وكان نبينا (صلي الله عليه وسلم) نعم المثل والقدوة في ترجمة هذه التوجيهات القرآنية إلي واقع ملموس، حيث تقول السيدة عائشة (رضي الله عنها) في شأنه (صلي الله عليه وسلم): " كان خلقه القرآن "، و"كان (صلي الله عليه وسلم) قرآنا يمشي علي الأرض "، وهو ما شهد به الأعداء قبل الأصدقاء والأصحاب والأتباع، فحين جمع (صلي الله عليه وسلم) قريش وقال لأهلها: " يا معشر قريش لو أخبرتكم أن خيلا خلف هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي، فقالوا جميعا في لسان واحد: ما جربنا عليك كذبا، فأنت الصادق الأمين "، وفي هذا يقول شوقي: لقبتموه أمين القوم في صغر وما الأمين علي قوم بمتهم فما أحوجنا أن نتأسي برسول الله (صلي الله عليه وسلم) فنترجم حفظنا للقرآن الكريم وتلاوتنا له إلي واقع ملموس في حياتنا، ومحسوس في دنيا الناس، يجدون أثره في تصرفاتنا وأفعالنا إن كنا بحق نريد أن نقتدي بمن قال الله ( عز وجل ) في حقه: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا "(الأحزاب: 21)، علي أنه لا فلاح لنا ولا نجاة لا في أمر ديننا ولا في أمر دنيانا بغير ذلك، يقول ( صلي الله عليه وسلم ): "تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي".