أشار الأستاذ محمد حسنين هيكل في حواره التليفزيوني يوم الخميس الماضي إلي ما اصطلح بتسميته «الأدب النوبي» وإلي دعم السفارة الهولندية والمركز الثقافي التابع لها لإصدار قاموس للغة النوبية مع استخدام الحروف اللاتينية وليس العربية، هذان نموذجان واضحان لاستراتيجية استخدام اللغة في اتجاه تحقيق أهداف محددة لخدمة مصالح قوي معينة، لكن قبل أي خوض في هذا الموضوع يجب التأكيد علي حقائق بديهية أهمها ان النوبة وأهلها جزء رئيسي من الحضارة المصرية. ومن يزور المتحف المصري سيجد تماثيل لسرايا وكتائب من الجيش المصري تنتمي إلي الدولة القديمة، نري فيها بوضوح الجنود النوبيين أغلبية، يمكن القول ان أهل النوبة حافظوا علي الحضارة المصرية في سلوكهم ورؤيتهم للوجود أكثر مما حافظ أهل الشمال، وربما يفسر ذلك تحضرهم ورقتهم وحبهم للفن والجمال، الأمر الآخر أن خصوصيتهم حقيقية لابد من احترامها في إطار مصر القابلة للتنوع وليس باعتبارها كيانا منفصلا، ثالثا: تحمل النوبيون معاناة نتيجة موقع أراضيهم بعد بناء خزان أسوان ثم تعليته ثم بناء السد العالي، ولكن هذه المعاناة لم تكن نتيجة خصوصيتهم كنوبيين بل نتيجة أسباب جغرافية تتعلق بمنطقة إنشاء الخزان والسد، لو أن الدمايطة أو البحاروة يعيشون في نفس المنطقة لوقع عليهم نفس المعاناة. لقد ارتكبت أخطاء في عملية التهجير فالمنزل النوبي من أروع نماذج المنازل في العالم، وله علاقة مباشرة بالنيل، للأسف تم تهجيرهم إلي مساكن شعبية تم استيراد تصميماتها من الدول الاشتراكية، كان ذلك ضد موروث النوبيين، إنني أتمني تدريس التاريخ النوبي ضمن إطار التاريخ المصري، انني أدافع دائما عن احترام الخصوصية في إطار الوطن، والوطن هو مصر، توجد الآن قوي كبري تستخدم موضوع النوبة لتكريس الانفصال، هناك مشروع لإقامة دولة نوبية بين مصر والسودان، بعض الدول الأوروبية تلعب دوراً رئيسيا في هذا الاتجاه، خاصة هولندا ذات الماضي الاستعماري القديم، توجد جمعيات نوبية في عواصم أوروبية تكرس لهذا ويوجد دعم لبعض النشطاء، ولكنني أعلم جيدا موقف غالبية النوبيين الذين يقفون ضد هذه الدعاوي تستخدم اللغة خاصة والثقافة عامة لتكريس انفصال النوبة، يبدأ بالأمر دائما من اللغة، من المصطلحات، لقد سبق انفصال السودان كتابة اللغات الشفهية المتوارثة باللغة الإنجليزية، ثم حروب أهلية، ثم تضحية الحكم الاخواني في الخرطوم بنصف السودان واستقلال الجنوب الذي اعتمد اللغة الإنجليزية لغة رسمية، الأدب النوبي في مصر مكتوب بالعربية، جزء من الأدب العربي، وليس معني انني ولدت في سوهاج وأكتب عن جهينة انني أكتب أدبا سوهاجيا. إن إشاعة مصطلحات تدل علي خصوصية عرقية بدون الانتباه إلي عنصر التنوع في إطار الوطن الواحد أول خطوة واسعة نحو تفجير الأوضاع التي استمرت آلاف السنين متسقة مع الوطن الأم، مصر، فكرة الوطن ضربت في السنوات الأخيرة ولهذا تفصيل.