لتقريب الصورة، وتوضيح هذا الموقف الغريب دعونا جميعاً نتذكر الكثيرين من الآباء منا، وحولنا، الذين رغم قوتهم ونفوذهم، فإنهم يقوضون هذه القوة، وذلك النفوذ عندما يفرطون في تدليل أبنائهم الذين قد يتطاولون عليهم فيما بعد، أو يهزأون بهم رغم قوة هؤلاء الآباء وكون البعض منهم مثلاً أعلي للجميع، أو أن يكون شاغلاً لمنصب كبير.. رفيع.. ومرموق! يحدث هذا، ولطالما رأيناه جميعاً، علي المستوي العائلي والاجتماعي في أحيان كثيرة تكاد أن تشكل ظاهرة سائدة، ولكن علي مستوي العلاقات بين الدول، خاصة العلاقات بين دولة كبري، ودولة صغيرة نائية لا تمثل أي أهمية اقتصادية أو استراتيجية بالنسبة للدولة الأولي في العالم.. عندما يحدث ذلك ويسود في القرن الحادي والعشرين من تاريخ الحضارة الإنسانية، فلابد أن تبرز أمامنا أكثر من علامة استفهام، وآلاف مؤلفة من علامات التعجب والحسرة علي ما آلت إليه الأمور والأوضاع.. إنها نفس أسطورة »الفتي ديفيد« و»العملاق جولياث«، ولكنها في هذه المرة تجيء معكوسة، وبدلاً من محاربة الظلم والطغيان والتعسف، فإنها تعمل علي إشاعة الظلم والسفور والطغيان، في ذات الوقت الذي تنسف فيه أركان النظام العالمي.. إن لم يكن الكوني! وهنا، ولأول مرة خلال تاريخ طويل من العمل الصحفي الذي امتد لأكثر من أربعين عاماً كانت مليئة بالأحداث الجسام.. لأول مرة خلال هذا التاريخ الطويل، أجد نفسي عاجزاً عن التصوير الكامل والدقيق لهذا الموقف، وتلك العلاقة الغريبة بين تلك الدولة العبرية الرابضة في قلب الشرق الأوسط، وبين أقوي دولة في تاريخ العالم، والتي يحفها من الشرق والغرب محيطان شاسعان: الهادي والأطلنطي!! ومع ذلك فإن الكلمة الأخيرة تأتي مما يسمونه بأرض »يهودا والسامرا«.. أي فلسطين.. كما كان يعرفها الجميع!