كتبت من قبل عن صدور طبعة محققة جديدة من "الفتوحات المكية" في اليمن بتحقيق العلامة عبدالعزيز سلطان المنصوب وتقديم الأب الروحي للثقافة اليمنية الدكتور عبدالعزيز المقالح، قبل سفري بيوم إلي المغرب مررت بمكتبتي المشروع القومي للترجمة والمجلس الأعلي للثقافة وكلتيهما في منطقة الأوبرا، فوجئت بصدور التحقيق الأحدث للفتوحات عن المجلس الأعلي للثقافة وهذا تعاون عميق الأثر بين مصر واليمن وأتصور أن هذا يمثل جوهر النشر لمؤسسات وزارة الثقافة الأقدم علي النشر الثقيل الذي لا تقبل عليه الدور الخاصة وتشجيع المواهب الجديدة، لقد نشر الفتوحات المكية في مطبعة بولاق كاملا في القرن التاسع عشر وقدمته مصر إلي قراء العربية كاملا ولم يرتفع أي صوت بالاعتراض. تحملت مصر في عصر محمد علي ما لم تتحمله في القرن العشرين والنصوص هي نفسها، بدأ صدور الفتوحات عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بتحقيق الدكتور عثمان يحيي ولم يكتمل الكتاب الذي اعتبره أحد قمم الثقافة العربية والإسلامية. صدر منه أربعة عشر مجلدا توازي المجلد الأول من طبعة بولاق وما يقارب الربع من المجلد الثاني فلو أتم الدكتور عثمان يحيي عمله لتجاوز عدد المجلدات الأربعين، ورغم تحفظي علي ما قام به المحقق من إضافة عناوين فرعية تحمل في ثناياها مضمون عقيدته الاسماعيلية وبشكل عام فإن أي حذف أو إضافة إلي نص تراثي اعتبره خطرا وتشويها إلا أنني كنت أري ضرورة إتمام طبع هذا التحقيق الذي تدخلت قوي خفية لوقفه. وتلي ذلك وفاة المحقق ونفاد الأجزاء الأربعة عشر وعدم إعادة طباعته من الهيئة وأتصور أيضا أن هذا أحد أدوار الهيئة الأساسية التي لم تعد تقوم به، ظهرت المجلدات الأربعة عشر في بيروت، طبعة مصورة أصدرتها دار نشر لبنانية وبذلك انتقل جهد الهيئة إلي غيرها. في سبعينيات القرن الماضي صدر عن مجلس الشعب موقف غريب عندما احتج بعض أعضائه علي طبع الفتوحات في مصر وطالبوا بمنعه، وتصدي لتلك الحملة علماء أجلاء منهم الدكتور إبراهيم بيومي مدكور، ويبدو أن تيارا ما دفع بعض الجهلاء إلي مهاجمة الكتاب والتحريض علي مصادرته، أن يقوم المجلس الأعلي للثقافة بإصدار الفتوحات للشيخ الأكبر الذي حقق في المانيا. عمل ثقافي جاد يستحق عليه الدكتور سعيد توفيق ومعاونوه التحية.