برز علي السطح السياسي الدولي مبادرة البرازيل الشجاعة التي تتضمن الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة التزاما بقرارات الشرعية الدولية والحق المشروع للشعب الفلسطيني. يعبر هذا القرار عن استقلالية هذه الدولة التي انطلقت في السنوات الأخيرة لتصبح واحدة من الدول الكبري المتقدمة. هذا الموقف الاخلاقي من جانب هذه الدولة جدير بتسليط الأضواء علي تجربتها التي انتقلت فيها من الإفلاس إلي دولة متقدمة اقتصاديا ومستقلة سياسيا. حدث هذا التطور في الوقت الذي يئن فيه العالم من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تستوي في ذلك الدول المتقدمة والدول الفقيرة وان اختلفت الأوضاع والطموحات والتطلعات. وسط هذه الاجواء الملبدة بالغيوم فإن الصورة التفاؤلية لدولة البرازيل تستحق تسليط الاضواء علي مسيرتها الناجحة التي تعكس المواجهة الايجابية للمشاكل والتصدي بمصداقية لكل معوقات التقدم والازدهار وفي مقدمتها الفوضي وعدم الانضباط وتفشي الفساد. ان البرازيل التي تحولت إلي هذه النقطة المضيئة جديرة بالدراسة والسير علي هدي خطواتها.. خاصة انها كانت مثالا لكل المظاهر السلبية التي تعاني منها الكثير من الدول وفي مقدمتها مصر. لقد كانت هذه الدولة منذ عقدين من الزمن علي شفا الافلاس واستطاعت بالاصلاح والاصرار وتولية شئونها لعناصر خبيرة وطنية تتسم ممارساتها بالشفافية ان تصبح فاعلا دوليا علي الساحتين الاقتصادية والسياسية خاصة مع بداية الألفية الثالثة. واذكر بهذه المناسبة وقبل الخوض في هذه التجربة النموذجية الذي قادت البرازيل إلي هذه المكانة المرموقة سياسيا واجتماعيا انني زرت هذه الدولة منذ حوالي عشرين عاما تقريبا. لم اكن اعرف عنها سوي شهرتها بأنها هي التي انجبت لاعب الكرة الاشهر بيليه وكذلك ارتباط اسمها بمهرجان رقصة الكاريوكا الذي طالما تحدثت عنه وسائل الاعلام.. واكتشفت اثناء الزيارة ومن خلال لقاءاتي هناك مدي الثراء الطبيعي الذي تتمتع به البرازيل بأراضيها الشاسعة ومعادنها النفيسة وسكانها البالغ عددهم اكثر من 061 مليون نسمة في ذلك الوقت.. لقد علمت من البيانات المتوافرة ان لديها امكانات هائلة من الثروة الطبيعية والزراعية والصناعية.. كان هذا بلا قيمة ضائعا ومهدرا نتيجة الفساد وسوء الاداء، وانهيار العملة، كل ما شاهدته خلال الزيارة هي المظاهر الطبيعية وملاعب الكرة المقامة في كل مكان بطول شاطيء ريو دي جانيرو العاصمة الاقتصادية والمطاعم ومحلات الرقص المنتشرة في كل مكان. وهالني خلال هذه الزيارة الاحياء العشوائية التي تحيط بالمدينة من كل جانب والتي تقطنها الطبقة المطحونة من الفقراء الذين تنتشر بينهم كل انواع الجريمة. هذه المعالم تغيرت تماما من خلال متابعتي للدور الذي تقوم به حاليا البرازيل علي المستوي الدولي والتقدم المشهود الذي حققته في مجال الصناعة والتكنولوجيا والاقتصاد. لقد زاد من معلوماتي عنها ما قرأته في التقرير الصحفي الذي نشرته صحيفة الحياة اللندنية منذ فترة وعدت إليه عندما قررت ان اكتب هذه المقالة تعبيرا عن اعجابي بالتجربة البرازيلية الرائدة التي اصبحت حديث العالم. وتعود ازمة البرازيل وانهيارها إلي حد الافلاس إلي فترة الحكم العسكري التي استمرت حوالي 22 عاما. ولم تبدأ هذه الدولة في تعافيها من ازمتها بانتهاء هذا الحكم العسكري وتولي رئيسها الاسبق فرناندو كاردوسو مقاليد الحكم عام 4991. ركز هذا الرئيس مهمته علي اصلاح الاوضاع الداخلية خاصة ما يتعلق منها بتأسيس استراتيجية اقتصادية بمفهوم السوق الحر علي اساس السماح للقطاعين العام والخاص بلعب دور مشترك في التنمية الاقتصادية.. اعتمد علي خبرته كأحد المتخصصين في علم الاقتصاد والنظرية الاقتصادية الشيوعية التي كان قد درسها في جامعة سان باولو البرازيلية وفي جامعة باريس ورأي ألا يأخذ بها في عملية الاصلاح الاقتصادي داخل البرازيل. كانت له رؤيته الخاصة التي تنبع من الدور الاقليمي الذي يمكن ان تقوم به بلاده في محيطها اللاتيني وعلي المستوي الدولي. وكانت البرازيل قد بدأت في استنهاض ذاتها الوطنية عقب أول انتخابات رئاسية حرة بعد الحكم العسكري عام 9891. اتجهت منذ هذا الوقت إلي بناء استقلالية اقتصادية وصناعية واستثمار ذلك في توسيع نفوذها وتعزيز علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع دول امريكا اللاتينية. وكذلك مع منظمة الأممالمتحدة والمنظمات الدولية مستغلة في ذلك حجم السكان باعتبارها اكبر دول قارة امريكا الجنوبية (391مليون نسمة) حاليا.