كنت دائما اربط بين تفوق الإنسان في الخطابة وفشله في الإدارة فالشخص الذي يجيد الكلام لا يجيد دائما الفعل، ويبدو أن السر في ذلك يرجع إلي توجه الطاقة في كل إنسان وتركيزها في مجال معين: فأما الكلام وتنميقه، وأما الفعل ومعاناته، ويكفي هنا أن اضرب مثلا بزعيم الصين الكبير ماوتسي تونج الذي اشعلت كلماته أكثر من مليار صيني، وقادتهم اثناء الثورة الثقافية المعروفة، بينما كان أدؤه الفعلي في تطوير الصين وازدهارها أقل بكثير من خطبه وكلماته، ثم جاء بعده الرئيس دانج الذي لم يكن يتكلم كثيرا ولا حتي قليلا فجعل من الصين هذا العملاق الاقتصادي الهائل، لقد كان الأول رجل خطابة أما الثاني فكان رجل فعل. ويمكن ان اقدم علي ذلك أمثلة من الماضي والحاضر، ومن الشرق والغرب كما يمكن ان اسوق نماذج عديدة من حياتنا المصرية ومحيطنا العربي، لكنني اخلص مباشرة إلي الرئيس الأمريكي اوباما الذي فرحنا كثيرا بتوليه رئاسة أكبر دولة في العالم، ويومها قلنا ان كلماته التي يطرحها عن التغيير في أمريكا ثم في العالم كله سوف تتحول إلي قرارات فأعمال.. لكن مع الأسف الشديد صدقت عليه فكرتي الثابتة وهي انه رجل خطابة مقنع وجذاب لمستمعيه لكنه ليس رجل أفعال يمكن ان يسعدهم بقراراته الحاسمة ونتائجها الملموسة. وعد اوباما بأشياء كثيرة من أهمها التصالح مع العالم الإسلامي كما وعد بسحب الجيوش الأمريكية من العراق ووعد باطفاء الحرائق الملتهبة في الشرق الأوسط وفي مقدمتها مأساة فلسطين، وبما انه رئيس ديمقراطي فقد كنا نتوقع ان ترفرف في عهده رايات الديمقراطية في معظم أنحاء العالم.. لكن شيئا من ذلك لم يحدث، وراح المتفائلون به يشعرون بالأسف والأسي والمرارة، أما الذين عارضوه منذ اللحظة الأولي في بلاده فقد أصبحوا يستعدون لرحيله من البيت الأبيض بعد مدة واحدة فقط وليس اثنتين! ان خيبة الأمل كبيرة في اوباما بل انها اصبحت فاجعة، وذلك لأن سقف الامال والتوقعات كان عاليا جدا في إدارته التي لم ينجح من أول يوم في حسن اختيار اعضائها والمتنفذين فيها ثم بحلوله العرجاء في محاولة انقاذ الاقتصاد الأمريكي المتعثر وأخيرا في سياسته الخارجية التي لم تحقق نجاحا واحدا في أي منطقة وعلي أي مستوي.