اليوم يكتمل عرس الديمقراطية والناخب هو بلاشك صاحب الحفل، وهو الذي سيتمم الفرحة بذهابه إلي لجان الانتخاب لاختيار المرشح الذي يري انه يخدم مصالحه أكثر من غيره. والناخب المصري واع ويعرف من الذي يمكن أن يخدمه سواء علي مستوي المصالح المحددة لابناء دائرته وحصتها العادلة من الخدمات أو علي المستوي القومي بالمشاركة في التشريع والرقابة علي اعمال الحكومة. ولا يمكن ان نطالب الناخب بالتنازل عن الجانب الخدمي الذي يجب ان يقوم به المرشح لان هذا هو حق الدائرة وهو احد اسباب تقسيم البلاد إلي دوائر بحيث يكون النائب لسان ناخبيه في مجلس الشعب.. وفي نفس الوقت اصبح الناخب المصري يعرف أن هذا الجانب لا يكفي بل يجب اختيار النائب الواعي القادر علي المشاركة في اعمال الرقابة والتشريع لدفع الحياة السياسية إلي الامام وتحقيق المصلحة العامة التي تعود علي المواطنين بالنفع. الجميع يعرف اهمية وحساسية هذه الانتخابات بالذات وتقدم اكثر من خمسة آلاف مرشح من الاحزاب و المستقلين يعكس هذه الاهمية، وهناك كلمة حق لا يمكن ان ينكرها إلا مكابر فالدولة وفت بما وعدت به والحياد من اجهزة الحكومة متحقق إلي حد كبير، علي اننا يجب ان نعترف ان الحكومة نفسها هي انت وانا وادواتها من البشر الذين يعيشون بيننا وربما كان لبعضهم مصلحة في دعم هذا المرشح أو ذاك، لكن الوضع مختلف عن اية انتخابات سابقة، حيث التزمت الحكومة بتوجيهات القيادة السياسية كما ان الصحف القومية والخاصة والحزبية تتابع كل صغيرة وكبيرة في كل الدوائر. وهناك كلمة حق يجب ان تقال في حق الاعلام المرئي والمسموع الذي نجح في اكبر اختبار وكانت المناظرة بين احزاب الوطني والوفد والتجمع والناصري التي قدمها التليفزيون خطوة جريئة علي طريق الحياد وتحقيق قومية جهاز الاعلام بحق واتاحت الفرصة لإسماع صوت الاحزاب المعارضة طبقا لمعايير صارمة في ذات الوقت ودون انحياز لاي طرف. وهذا التوجه شديد الاهمية لانه يسهم في ترسيخ وجود المعارضة الشرعية وهي نفسها مدعوة بعد ذلك إلي بذل جهدها والطموح إلي تقوية مراكزها في الشارع، وهذا كله يدعم مستقبل مصر ومستقبل العملية السياسية ولا يترك الساحة خالية للاتجاهات غير الشرعية التي ترفع شعارات لاتخدم المواطنة والمساواة بين ابناء مصر. وكان من ابرز ما اسفرت عنه المعركة الانتخابية هو الإجماع الوطني علي رفض المحاولات الخارجية للنيل من السيادة المصرية بالدعاوي الامريكية لمراقبة اجنبية علي الانتخابات اثبت الجميع حكومة ومعارضة والشعب من قبلهم ان سيادة مصر خط احمر تقطع اليد التي تمتد إليها، واننا نختلف ونرفع اصواتنا بالشكوي فيما بيننا، لكننا لا نفتح مجالا للتدخل الاجنبي والعبث بارادتنا. في الاعلام المصري والاعلام الدولي ايضا ما يكفي وزيادة لتغطية سير العملية الانتخابية لكنها لا يمكن ان تكون الباب الذي يفرض منه الاجنبي وصايته علينا. والناخب المصري اكثر وعيا بمراحل من الناخب الامريكي. وهذه حقيقة لا نقولها شراء لخاطر مواطنينا فالمواطن المصري المحاصر بالازمات تعلم مبكرا جدا الانتباه لقضايا السياسة والاهتمام بها لانها تمس صميم حياته كما اننا شعب يبني مؤسساته الديمقراطية والجميع يجد نفسه مدعوا للمشاركة في هذا البناء، أما المواطن الامريكي فهو مستريح إلي وجود مؤسسات تقرر نيابة عنه ويعطيها ثقته بناء علي توجيهات الاعلام الذي تسيطر عليه جماعات الضغط اليهودية. ولا يقتصر الضعف السياسي علي الناخب الامريكي العادي، فكثيرا ما نقرأ عن مرشحين للكونجرس وحتي للرئاسة يجهلون أين تقع العراق مثلا. لقد قرأنا نتائج استطلاعات كهذه ثم يأتي الامريكيون ليحاولوا تعليمنا الديمقراطية وفرض وصايتهم علينا. ولم تكن مفاجأة ان يجمع كل المصريين علي رفض هذه الوصاية، ورأي المشاهدون عددا كبيرا من المعارضين لكل شيء في مصر يعلنون علي الفضائيات رفضهم القاطع للوصاية الامريكية. هي رسالة للاصدقاء والاعداء علي السواء، فمصر ليس فيها من يساوم علي استقلالها وسيادتها. وكما نجحنا في هذا الاختبار كمصريين وكما نجحت الحكومة في اختبار الحياد الاعلامي فإن الناخب هو الذي سيكمل اليوم هذا النجاح لحماية تجربتنا الديمقراطية واختيار برلمان لمصر يدخل به العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وسط تحديات عالمية واقليمية عاصفة ووسط تحديات داخلية كبيرة وصعوبات تعاني منها الاغلبية التي لم تعد صامتة وانما تتحرك لنيل حقوقها وصون استقلال وتقدم بلدها. اليوم هو يوم الامتحان للمرشح وعرس الناخب، وفوق كل هذا فإن اليوم هو اختبار للجميع، أجهزة دولة وحزب الحكومة واحزاب المعارضة والمستقلين والشفافية اليوم هي التي ستحدد شكل الممارسة في البرلمان القادم الذي ينتظره الكثير من الملفات والتحديات الداخلية والخارجية التي لا تحتمل النائب الصامت ولا النائب الذي دخل البرلمان من اجل الوجاهة أو من اجل مصالحه الخاصة أو الحصانة.