المظاهرات التي اندلعت في عدد من الجامعات.. بهدف تعطيل الدراسة.. وتدمير المرافق والمدرجات.. والاعتداء علي الاساتذة.. واستخدام المفردات السوقية داخل الحرم الجامعي تشير الي ان مجانية التعليم الجامعي في حاجة لاعادة تقييم! فمن المفارقات اللافتة للانتباه.. انه في ظل الاستعمار استطاعت الجامعة المصرية أن تخرج لنا الرعيل الاول من مفكرينا وفنانينا وان تقدم لنا طه حسين الذي احتفلنا منذ أيام بمرور 04 سنة علي وفاته.. والمئات من الاطباء والعلماء ورجال السياسة ورموز الثقافة والابداع.. وان تجتذب الحركة الطلابية المئات من القادة الذين تسلحوا بالعلم داخل الجامعات.. وضربوا المثل في الوطنية الجارفة.. والاخلاق الراقية.. وفي ظل الاستعمار.. والمناهج الاستعمارية المسمومة.. خرج المعلم الذي يقف له الطلبة اكبارا واجلالا.. وخرج الطبيب والقاضي والمهندس والعامل الذي يرعي الله في اداء مهنته.. ولا يستطيع الشيطان ان يستدرجه.. من حيث لا يشعر.. وكانت الجامعة هي قاطرة التقدم في جميع المجالات بالاضافة الي الدور الاجتماعي الذي كان يقوم به خريج الجامعة.. في محيط عمله وسكنه ومحل اقامته. وجاءت مجانية التعليم الجامعي.. لتحقق العدالة الاجتماعية في مجال التعليم.. واستطاعت الجامعات ان تقدم لنا نخبة جديدة من ابناء الطبقات الكادحة.. لاتزال تثري حياتنا حتي ساعة كتابة هذه السطور. وكان من الطبيعي ان يشير ميثاق العمل الوطني الذي اعلنه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في 12 مايو سنة 2691.. الي حصيلة التجربة الوطنية خلال العشر سنوات السابقة.. وفي مقدمتها قضية التعليم.. وتحدث يومها عن قصور الموارد عن الوفاء بالاحتياجات المتضخمة ليس في التعليم فحسب.. بل في الصحة والنقل.. وقال انه ستظل المدارس والمستشفيات والسكك الحديدية.. فقيرة التجهيز.. قاصرة الموارد.. واننا في حاجة الي معجزة! ولو ان جمال عبدالناصر بيننا الآن.. لاعاد النظر في مجانية التعليم الجامعي.. وقصرها علي فصول محو الامية.. لسبب بسيط هو انه ليس من المعقول ان ترتفع نسبة امية القراءة والكتابة.. كل ساعة.. ولاتجد الأمة المصرية الاموال الكافية لتمويل برامج محو الأمية.. وازدحام الفصول في المدارس الي ضعف التجهيز.. وقلة الابنية الصالحة للمدارس في الوقت الذي تهدر فيه الحكومات المتوالية مليارات الجنيهات سنويا في التعليم الجامعي.. الذي يتدهور من سنة لسنة.. وفي الانفاق علي بيوت الطلبة الذي يهجرون قراهم من اجل الاقامة والتعليم علي نفقة البسطاء الذين يواجهون كل الوان البؤس علي مدار الساعة.. العدالة الاجتماعية تقضي سرعة البحث عن حلول عاجلة.. لدعم برامج محو الأمية.. ومحو هذا العار الذي عرقل مسيرتنا نحو التقدم ومواكبة الامم الراقية التي قطعت اشواطا بعيدة نحو الديمقراطية.. والانتخابات الحرة النزيهة.. واحترام ابسط حقوق الانسان.. وهي حقه في ان يقرأ.. ويكتب.. وان يسجل علي ورقة الانتخاب.. اسم المرشح.. بدون مساعدة سماسرة التصويت في اللجان الانتخابية.. وهكذا تحولت الامية المتفشية بين الغالبية العظمي.. من البسطاء الي اهم الاسلحة التي يستخدمها عملاء التنظيمات الدولية.. في عرقلة مسيرة الديمقراطية في بلدنا.. وفي الوقت الذي ضربت فيه الامية في مصر الارقام القياسية.. بين جميع الدول العربية الشقيقة.. انحصر الحديث عن الجامعات عندنا.. طوال الثلاثين سنة الماضية عن الارقام.. وعن اعداد المقبولين في الجامعات المجانية.. دون النظر لاهم اهداف التعليم الجامعي وهو الجودة.. أو محاولة الربط بين التعليم وبين الاحتياجات الفعلية في القوي البشرية لسوق العمل.. وخطط التنمية!! وهكذا تحولت الجامعات.. بعد 03 سنة في غياب الرؤية الوطنية الي أوكار لاحتضان تيارات التطرف التي تكن العداء والحقد للمجتمع.. وافتقاد الولاء.. وهيبة المكان وقدسيته.. والسخيف في الموضوع.. انه في الوقت الذي كانت فيه الجامعات المصرية.. ايام الاستعمار البريطاني.. تحتضن الحركة الوطنية بين الشباب.. من خلال الاسر الطلابية.. والوطنية الجارفة.. اصبحنا نري في السنوات الاخيرة.. العديد من الممارسات المسلحة التي تحرمها قوانين الحرب بين الجيوش المتصارعة.. وسط ضراوة الاقتتال المسلح.. وتحولت الاسر الطلابية التي كانت تضم ايام الاستعمار نخبة العناصر الوطنية.. الي تجمعات سرية لجماعات ماسونية.. تكن الكراهية الشديدة لكل رموز الوطن. قوانين الحرب.. تمنع الجيوش المعتدية.. من اقتحام الجامعات.. وضرب الاساتذة.. وترويع المدنيين.. بقنابل المولوتوف والشماريخ.. وتلويث الجدران بالعبارات الساقطة. والحقيقة ان هذه الجماعات الارهابية لم تظهر في الجامعات فجأة.. أو بعد أندلاع الحالة الثورية المجيدة في 03 يونيو 3102.. وانما بدت ملامحها في الميليشيات الاخوانية التي استعرضت مهارات القتال داخل جامعة الازهر سنة 6002.. وهي ترتدي الملابس السوداء.. وتحجب وجوهها بالاقنعة التي تخفي ملامح الاجرام.. كما بدت نفس الملامح في جامعة اسيوط عندما قامت جماعة اخوانية أخري باقتحام الحرم الجامعي.. ورددوا الهتافات المعادية للاساتذة.. في التوقيت نفسه سنة 6002. بين ان هذه الممارسات المسلحة التي لم تعرفها الجامعات في ربوع العالم.. التي يلتحق بها الطلبة بالمصروفات.. لم تلفت انتباه المسئولين.. ايام حسني مبارك.. ولم تواجه.. باي اجراء رادع.. ولا حتي مجرد التحقيق مع اولياء أمور اعضاء هذه العصابة.. والحصول منهم علي تعهدات واقرارات.. بحسن تربية الابناء! نحن نجتاز مرحلة هامة في تاريخنا المعاصر.. تقتضي دق كل اجراس الخطر..واعداد الملفات الخاصة بالمتورطين في هذه الجرائم.. والعائلات التي ينتمون اليها.. كيلا يتسرب افرادها الي وظائف.. قد تهدد أمن الوطن في المستقبل.. لأن الصمت وحده ليس يجدي. تبقي بعد ذلك القضية العاجلة.. وهي اعادة تقييم مجانية التعليم الجامعي.. واذا كنا بصدد اعداد سياسة جديدة لترشيد الانفاق الحكومي. فعلينا ان نبدأ بتقييم مجانية التعليم الجامعي..لانه ليس من العدل الاجتماعي.. ان تقدم الدولة التعليم الجامعي مجانا.. في الوقت الذي يصاب فيه الملايين من اطفالنا بامراض التقزم الناجمة عن سوء التغذية.. وان يعيش في شوارعنا اكثر من اربعة ملايين طفل.. بلا مأوي.. وبلا اهل او انتماء او اقارب.. وان ترتفع معدلات الامية.. بارقام يعجز القلم عن تسجيلها.. لتدارك الفضيحة.. وفي الوقت الذي نتقلب فيه بين كل الوان الفقر.. نري علي شاشات التلفزة.. بعض طلبة الجامعات يتلقون المعلم بالمجان.. يرتكبون كل الوان الجرائم.. ابتداء من تعطيل الدراسة.. وقطع الطرق.. والاعتداء علي الاساتذة.. وترويع المواطنين.. واستخدام قنابل المولوتوف والشماريخ.. وترديد الهتافات السوقية التي اطلت علينا من اعتصامي النهضة ورابعة العدوية. انها حقا.. جامعات ببلاش!