الترقب شعور سالب، يقيد العقل، ويسترق التخيل، ويحجر علي الرأي، وله آثار تتدرج بحسب صلابة النفس، وما اكتسبته من تجارب، وما درجت عليه من رباية، وما تتلقاه من مساندة اسرية ومجتمعية، وقدرة مالية، وهي العوامل التي تحصن النفسية ضد الضعف او الانهيار. وقد يصل الترقب الي حد الاضرار بصحة البدن، فيحدث في اعضائه تغيرات تأتي حثيثة، وقد تزول اذا كانت فترات الترقب متقطعة او تتزايد بطوله، واشتداد وطأته. ولا يشترط ان يؤثر الترقب علي الافراد فقط، بسبب مشاكلهم الخاصة، بل يمتد اثره الي اسرهم، او ربما يمتد الي المجتمع بأسره عندما يقع حادث انساني يمس مشاعر الناس، كالكوارث الطبيعية او كوارث الاهمال، بل ويخاف المجتمع من امتداد ذلك الاثر اليه، وتفاقمه في البلاد، بخاصة اذا لم ير المجتمع اجراءات جادة تعمل علي مقاومته ومنع تكراره، ولا يهدأ المجتمع حتي تجف دموع المضرورين، والتخفيف من حصرة قلوبهم علي اعزائهم واخوتهم في الوطن، فهم لا يملكون سوي الترقب، احتراما لدور الدولة المنوبة عنهم في استخلاص حقوقهم، بسلطاتها التنفيذية والقضائية، بداية من عملية الضبط والتحقيق، ومرورا بالاحالة للمحاكم وترقب احكامها، وما يتلوها من وسائل اصلاحية وتأهيلية. ولاشك في ان الاجراءات الحقوقية والحصانة الامنية، لهما ابلغ الاثر علي نفسية اطراف الاحداث بجميع انواعها، بما فيها نفسية القائمين بتدوير »الدورة الحقوقية« انفسهم، وهم في عملهم يشبهون عازفي السيمفونيات الموسيقية، الذين اذا خرج احدهم عن اتباع سرعة الايقاع المرسومة، اختل اللحن، واصبح نشاذا موزيا للاسماع! كذلك في المسائل الجنائية، فان سرعة ايقاع الادوار المسندة الي افراد المجموعة الحقوقية، هي الحاكم الرئيسي لبلوغ النتيجة المتوقعة قبل ان يتأثر المرتقبون باي لغط اجرائي، بخاصة في الجرائم الفوضوية التي ترتكبها مجموعات ضالة ومضللة، تصر وتتربص لقتل ضحايا ابرياء، والجهة النظامية التي تدافع عنهم، مستخدمين في ذلك احجارا باطحة، او اسلحة ناحرة، او رصاصات قاضية، وعندئذ يتطلع المجتمع، الذي يصبح صاحب صفة ومصلحة، الي سرعة العقاب او القصاص بلا ابطاء او امهال. فالآثار المترتبة علي سير الاجراءات وترقب نتائجها، لا تمس المشاعر فحسب، وانما تشمل ضعف الاقتصاد، وغياب الاقبال علي العمل، وتعكير المزاج العام، بجحافل من التغيرات النفسية والسلوكية، التي تدفع الاهالي علي تنفيذ القانون بانفسهم، كما توسع دائرة العنف، باضافة عنف الي العنف القائم ذاته، مما ينتج العديد من الانحرافات الاخلاقية، وتدهور الثقافة، وتعطل تعليم الاجيال المراد رفع مستواها، بسبب ألوان المردودات المترتبة علي طول الترقب وعدم الشعور بالامان، مع تناقص الانتاج، وترهل التنمية بما يشبه العصيان فعلينا الاسراع في اتخاذ الاجراءات الرادعة، التي خولها القانون للسلطات المعنية في ظروف الحروب، بشكل مؤثر وواضح وصورة شفافة لا تقبل المظنة او الشك او الاتهام بالباطل، قبل ان ينضم المضرورين الي صفوف المجرمين، وليس في ذلك انتقاد للحال، بل تصويب لمسار التخطيط للمستقبل علي اسس علمية مدروسة.