.. وقالت هاجر لإبراهيم: إذن لن يضيعنا الله السبت: عندما بدأت حرب الاستنزاف بعد هزيمة يونيو 7691 استخدمت اسرائيل طيرانها بشكل مكثف لضرب الاهداف العسكرية وهدم المنشآت المدنية وقتل المدنيين.. كان الطيران الاسرائيلي يعربد في سماء مصر كلها.. طولها وعرضها.. دون رادع، وكان لابد من اجراء لوقف هذا العبث المخزي.. وسافر الرئيس جمال عبدالناصر الي موسكو للحصول علي الصواريخ المضادة للطائرات باعتبارها احدث وسائل الدفاع الجوي ضد طيران العدو، واشترط الروس لتحقيق ذلك ان تنتهي مصر اولا من بناء المنصات »القواعد« اللازمة لتلك الصواريخ خلال ستين يوما والا فلا صواريخ.. طلبوا ذلك وهم متيقنون ان مصر لن تستطيع انجاز المطلوب خلال شهرين ومن جانب اخر فان سلاح الطيران الاسرائيلي سيحول دون تحقيق المهمة فهي معركة حياة او موت بالنسبة لها بعد ان دمرت الجيش المصري في يونيو 76 ولن تسمح له بان يعيد بناء نفسه بما يهدد وجود قواتها علي الضفة الشرقية غير ان مصر قبلت التحدي وكانت- كما حكي المهندس عثمان احمد عثمان في ذكرياته - معركة مزدجة مع اسرائيل من ناحية لتحرير ارضها واستعادة حقوق امنها ومواجهة - لكنها سلمية- مع الروس للحصول علي ما تريده مصر لتحقيق هدفها الاصلي. استدعي الرئيس السادات نائب رئيس الجمهورية في ذلك الحين وكان مكلفا بالاشراف علي اعادة بناء القوات المسلحة- استدعي عثمان احمد عثمان باعتبار ان »المقاولون العرب« اكتسبت خبرات واسعة من تنفيذ السد العالي منحها قدرة علي الانجاز السريع والمتين والدقيق.. وكان من الممكن ان تسند اليها الدولة مهمة بناء قواعد الصواريخ وحظائر الطائرات.. استدعي السادات عثمان احمد عثمان عقب عودة الرئيس جمال عبدالناصر من موسكو وطلب منه ان تنفذ المقاولون العرب هذه المهمة القومية الصعبة لكن ليس في موقع او اثنين لكن علي امتداد الجبهة كلها وفي اي مكان يمكن ان يجد الطيران الاسرائيلي منه ثغرة لاختراق مجالنا الجوي.. وانهاء ذلك كله فيما لا يتجاوز الشهرين.. وقبل المعلم »عثمان احمد عثمان« المهمة باعتبار انها قبول لتحد يرقي الي مستوي المعجزة، فقط طلب من السادات اشتراك بعض الشركات لاقامة بعض المنشآت المتفرقة في العمق. وكما يحكي المعلم »عثمان احمد عثمان« بدأ رجال المقاولون العرب المهمة المستحيلة ليل نهار في ملحمة صراع هائلة ليس من اجل اقامة المنشآت الجديدة ولكن لاعادة بناء كل ما يدمره الطيران الاسرائيلي.. سواعد المصريين تقيم المنصات »القواعد« والطيران الاسرائيلي يدمرها.. وعزم الرجال يعيد بناء ما تم هدمه وبناء قواعد اخري جديدة.. ومما يدل علي صعوبة المهمة ان العدو هدم قاعدة بعد بنائها اكثر من خمس مرات.. لكن التصميم وروح الوطنية والدفاع عن العرض والدم نجحت في بنائها.. وتكرر هدم الطيران الاسرائيلي لقواعد كاملة بعد تمام انشائها.. ويعاود الرجال بناءها مرة اخري ويظل الصراع علي ذلك الحال ساعات واياما كاملة.. لكن التضحية كانت كبيرة فيكفي ان نشير الي انه في يوم واحد استشهد علي الضفة الغربية للقناة 005 شهيد وهم يقومون بواجب اقامة ما يكسر يد العدو الطولي ويقضي علي صلفه وغروره.. ويسقط الشهيد تلو الشهيد لكن القواعد »المنصات« كانت ترتفع حجرا فوق حجر حتي تكتمل.. ملحمة نضال وبناء رائعة.. اكثر روعة من ملحمة السد العالي.. انتصرت ارادة المصريين في النهاية ضد ارادة وسيطرة وجبروت الطيران الاسرائيلي رغم اطنان القنابل التي كان يلقيها بلا حساب.. وتمت المهمة المعجزة في الوقت المحدد لتغلق في وجه الطيران الاسرائيلي سماء مصر وسط هذه الملحمة التي يتحدث التاريخ العسكري عنها وقعت مفارقة غريبة لاتخطر علي بال ليس في مهمة تنفيذ منصات الصواريخ.. لكن بطريقة اغرب من الخيال ليست من الخارج لكنها من الداخل سنحكيها في المرة القادمة لو كان في العمر بقية. جناح جبريل.. وماء زمزم الأحد: أكرمني الله بأداء فريضة الحج عام 5891 »منذ خمسة وعشرين عاما« والذي يزور الاماكن المقدسة مرة يصعب عليه الا يزورها كل مرة.. أكرمني الله بأداء العمرة عدة مرات.. لكنني في هذه الايام التي نعيش فيها مع روحانيات الحج.. اجدني مشدودا الي هناك.. تهفو نفسي الي مكة حيث الكعبة الي السعي بين الصفا والمروة.. الي الاستمتاع بماء زمزم.. اشتعل شوقا الي كل ذلك.. يجافيني النوم.. افكر فيها نائما ويقظا تغادرني روحي اليها.. تسبقني الي هناك.. اهرول خلفها تسيطر علي مشاهد اللحظة التي تطؤها قدماي فتحتضن عيناي مآذن البيت الحرام تتلألأ في الانوار المقدسة.. اتقدم الهويني يخفق قلبي بعنف يهتز كياني ووجداني وتفيض مشاعري.. تنهمر الدموع من عيني كأنني اختزنت فيهما دموع الكون كله.. اقترب اكثر واكثر تجذبني قوة هائلة.. ادخل في عالم من الروحانيات، اجهل كنهه، اعجز عن تفسيره كل ما اعلمه عنه انه الخضوع التام بلا فلسفات بلا تفسيرات بدون لماذا. الكعبة من حجر ككل احجار الدنيا لكن الامر جاء بالطواف حولها فلابد ان نطوف.. الحجر الاسود »الاسعد« الذي قال له عمر رضي الله عنه: انك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا اني رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك وقد أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم بذلك فأطاع ونحن اقتدينا وروي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه وارضاه: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول عنه انه سيأتي يوم القيامة يوم المشهد العظيم له يدان.. له شفاه تتكلم ويقول: ربي.. عبدك هذا قبلني.. وعبدك هذا منعه الزحام عني وكم كان يتمني ان يقبلني فأشار اليّ يحاول ان تطولني يداه.. اشارة وضع فيها كل قبلات الدنيا، عبدك هذا نظر اليّ نظرة كلها ايمان ويقين.. اجمع الحصي اقذفه في وجه الشيطان لينصرف عن طريقي ولا سؤال: لماذا كل هذه المشاق وتحمل الاهوال في جمع الحصي بأعداد محددة، لكنها المناسك نؤديها في خضوع وخشوع بعد ان زهدت الدنيا واعمل لاخرتي.. اشهد الجمع الاكبر.. المشهد المصغر ليوم القيامة واظل فيه مطيعا للامر وأتمني الا يأتي مساؤه الا واصبحت كيوم ولدتني امي مبرأ من كل ذنب مجردا من الخطايا.. انني ذاهب الي هناك اغسل ما علق بي من الذنوب.. أكفر عما بدر مني من الهفوات.. اترك الدنيا كلها خلفي لا افكر في شيء الا في لحظة ادخل فيها البيت الحرام اتلفت حولي.. امامي.. خلفي فلا اري الا هذا البيت الصغير المربع الاضلاع الذي يقصده كل الخلق من كل صوب وحدب حوله يطوفون يهللون ويكبرون يدعون ويبتهلون ولا يتساءلون لماذا هم لذلك فاعلون.. كلهم ايمان ويقين فخالق الكون أمرهم فهم مطيعون لا علة ولا اسباب لا لماذا ولا كيف؟ انها الطاعة العمياء لرب الكون لخالقهم ومولاهم انها لحظة يشكرونه فيها.. يسبحون بحمده.. مقصدهم واحد.. الجنة امامهم تناديهم ما احلي هذا النداء انا مجيبون.. انهم مؤمنون بان الذي خلقهم هو يهديهم وهو امرهم وهم يطيعون.. من عند الحجر يبدأون الطواف وعنده ينتهون.. وازور ابا الانبياء ابراهيم ثم اذهب الي حيث ماء زمزم.. انهل واشرب كثيرا.. والخلق جميعا كذلك يشربون.. ينهلون ولا اشبع ولا يشبعون وهل من مزيد فماء زمزم لما شرب له هو معجزة لا يعلم كنهها الا صاحبها.. عين صغيرة تفجرت بضربة من جناح جبريل من اجل وليد ينفطر قلب امه عليه، يكاد الظمأ يقتله ويقتلها، وهما في صحراء مترامية بلا ماء ولاطعام ولا راع.. الام تجري هنا وهناك املا في ان تجد نقطة ماء تطفيء بها ظمأ طفل يصرخ.. والأم لهفي فقد يموت الصبي، والمؤكد ان عينيها كانتا معلقتين بالسماء واعماقها تصرخ الي رب السماء لينقذ وليدها.. لقد تركه وتركها ابوه ألم يفكر في مصيرهما؟ لابد أنه فكر.. اذن لماذا يتركهما كذلك في هذا العراء اللانهائي؟ وتأتي الاجابة من الام الولهانة حين اخبرها زوجها انه سيتركهما، اتتركنا وحدنا؟ لماذا؟ لان الامر الالهي جاءني ولا اعتراض ولا بحث عن اسباب او نتائج وتسأله هل أمرك ربك؟ ويوميء اليها برأسه ويكون جوابها بالايمان واليقين.. اذن لن يضيعنا ربك.. قولة خالدة تحكم البشر ان الله لا يضيع احدا.. وانفجرت عين الماء ليشرب وليدها وتشرب هي ويشرب خلق الله حتي تقوم الساعة.. والماء لا ينفد والاعداد تتزايد ولا احد يعلم من اين يجيء عند منبعه تتدفق اسرار البشر وكل يطوي ضلوعه علي سره لماذا يشرب من ماء زمزم؟ هو وحده يعلم بعد خالقه.. ملايين الاسباب والدوافع ومليارات الزجاجات تحملها الطائرات والسفن والعابرات لتجيب عن سر في نفوس اخرين لم يكتب لهم بعد ان يشربوا بأنفسهم فحمل لهم الاخرون ما يشربون سبحانك ربي وسعت كل شيء علما فاكتب لنا زيارة بيتك الكريم، ان كنت قدرت لنا الحياة حتي موعد الحج القادم. مكاتب وقوانين للمرضعات الإثنين: لرضاعة الامهات تاريخ قديم، وفي تاريخ الشعوب اهتمام برضعة الاطفال.. ومنذ العصور الاولي بحث وجرب المشتغلون بالطب انواعا من النباتات الطبية لزيادة ادرار اللبن في ثدي الام، وعثر علماء الآثار علي بعض اوراق البردي يرجع تاريخها الي آلاف السنين تدل علي ان المصريين القدماء استعملوا اعشابا طبية لهذا السبب.. ومنذ العصور القديمة كان الناس يستعينون بسيدة مرضع غير الام لجفاف اللبن في ثدييها، وكان نظام المراضع معروفا خاصة في قصور الاغنياء لامتناع بعض الامهات عن ارضاع اولادهن لاعتقادهن ضرر ذلك علي صحتهن.. حدث ذلك مع سيدنا موسي.. وفي عصر الاغريق زاد الطلب علي المرضعات من جانب نساء النبلاء والامراء وفي العصر الروماني كان للمرضعة مكانة رسمية في القصور، وانشأت فرنسا مكاتب خاصة لجلب المرضعات وتأجيرهن لارضاع الاطفال مع بداية القرن الثاني عشر الميلادي.. وفي انجلترا صدر قانون عام 2671 يمنع اية مرضع من ارضاع اي طفل غير طفلها الا بعد ان يبلغ طفلها تسعة اشهر من عمره ونص هذا القانون علي الكشف الطبي الدوري علي المراضع للتأكد من تنفيذ القانون ومن خلوهن من الامراض المعدية.. وكان نظام المرضعات اكثر انتشارا في القرن الثامن عشر في اوربا لان نساء الطبقة الغنية كن يعتقدن- خطأ- ان الرضاعة تؤثر سلبا علي صحة الام وقوامها.. ومع بدء الثورة الصناعية في اوروبا توجهت نساء الطبقة الفقيرة الي العمل بالمصانع فندرت المرضعات وبدأ التفكير في الرضاعة الصناعية وبدأ نظام المرضعات يختفي تماما في بداية القرن العشرين وبالتالي ازدهرت صناعة البان الحيوانات بديلا عن لبن الام في العالم الغربي.. اما في العالم الاسلامي فقد ظلت الامهات يرضعن اولادهن وهوالغذاء الامثل لهم.. ونتحدث في حلقة قادمة- لو كان في العمر بقية- عن مساويء التغذية الصناعية. تمزيق حجب الغيب الثلاثاء: تحدثنا في اليوميات السابقة عن الاعجاز القرآني في تمزيق حجب الغيب وتحدثنا عن ثلاثة نماذج لهذا الاعجاز وبقي الاعجاز الرابع في تمزيق حجب الغيب في الحرب بين الفرس والروم حيث انتصر الفرس »الامة الكافرة« عبدة النار، وفرح الكفار وحزن المؤمنون لان الروم »النصاري« اهل كتاب وينزل القرآن الكريم ليؤكد ان الروم سينتصرون بعد بضع سنين ويستهزيء الكفار من ذلك ويوكدون ان هذا الكلام من عند محمد ولن تنتصر الروم.. والمؤمنون الواثقون في كلام الله المنزل علي محمد صلي الله عليه وسلم يؤكدون ان الروم سينتصرون ما دام الله قد قال ذلك ويحتدم الخلاف ويصل الي حد الرهان بين الفريقين.. راهن ابوبكر الصديق بأربعة من الابل علي انتصار الروم بعد سبع سنين مضت ولم يحدث قتال ولم ينتصر الروم وفرح الكفار وشككوا في القرآن.. وحزن ابوبكر وذكر ذلك للرسول صلي الله عليه وسلم الذي سأله: ما بضع السنين عندكم فرد ابوبكر: ما دون العشر فقال محمد صلي الله عليه وسلم له: اذهب فزايدهم وزد سنتين في الاجل ولم تمض السنتان حتي انتصر الروم علي الفرس وفرح المؤمنون.. ونهي رسول الله صلي الله عليه وسلم ابا بكر والصحابة عن المراهنة بعد ذلك وقال لهم ان الاسلام ينهي عنها.. فمن ذا الذي يستطيع ان يحدد نتيجة معركة حربية ستحدث بعد تسع سنين بل ويحدد المنتصر فيها؟ من الذي يضمن الاحداث تسع سنوات كاملة او بقاء العداء طوال هذه السنين ألم يكن احتمال ان يتفق قادة الروم والفرس علي صلح ولا تحدث حرب او تحدث وينتصر فيها الفرس؟ حقا: ان الله عنده غيب السماوات والارض.. فعال لما يريد. ونتواصل ان شاء الله لو كان في العمر بقية عن الاعجاز العددي في القرآن الذي اخترق جميع حواجز الغيب ونشير ان شاء الله الي ان هذا الاعجاز بهذه الكيفية ادي الي ايمان كثير من الكفرة والملحدين بعد ان ايقنوا ان قدرة الله تعالي لا يحدها زمان ولا مكان ولا كيفية!