د. محمود علم الدىن شرفت بعضوية المجلس الأعلي للصحافة خلال دورتيه الماضيتين بعد ثورة 25 يناير2011. واشهد للتاريخ أن المجلس الأعلي للصحافة قد حاول جاهدا أن يقوم بدوره في دعم الصحافة كصناعة وكمهنة في مصر وحل مشكلاتها، وإبداء رأيه في كل ما يتعلق بشئون الصحافة والصحفيين، ونجح الي حد كبير في دورته الأولي، ولكن الضغوط كانت عاتية، وشديدة القسوة والإلحاح وخاصة في الدورة الثانية سواء من البيئة الصحفية الداخلية من المؤسسات الصحفية التي رفضت محاولات تغيير هوية الصحافة المصرية ومن البيئة الخارجية السياسية الحاكمة وقتها والراغبة في دخول الصحافة إلي بيت طاعتها عبر التحكم في تعيين رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الادارة،، بشكل جعل المجلس يركز عمله في إطفاء الحرائق المشتعلة داخل المؤسسات الصحفية القومية - والتي لم تكن وليدة لحظتها بل هي حصاد وتراكم لسوء الإدارة خلال عقود سابقة - وحل المشكلات العاجلة وخاصة المشكلات الاقتصادية ولم تتح له الفرصة كاملة لكي يتصدي للمعالجة الإستراتيجية لأزمات الصحافة القومية، ووضع رؤية متكاملة للمشكلات المزمنة أو الهيكلية للصحافة والصحفيين وفي مقدمتها الأوضاع العامة للصحفيين وكم المعاناة التي يتعرضون لها وتطوير أوضاعهم الاقتصادية والمهنية، فضلا عن مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه وتهدد بقاء عدد كبير من مؤسساتها - التي تشكل جانبا من تاريخ الصحافة المصرية والعربية -، إضافة إلي التحديات التقليدية التي سوف تواجه الصحافة المصرية المطبوعة في المستقبل في ظل ثورة المعلومات والاتصالات وظهور بدائل كثيرة للصحافة المطبوعة. وتأسيسا علي ما سبق نجد أن واقع الصحافة المصرية القومية واشكالياته المعقدة وتحديات المستقبل تفرض علي مجلسها الأعلي اتخاذ مجموعة من المبادرات وترجمة تلك المبادرات إلي رؤي تشريعية وخطط وبرامج تنفيذية. والفرصة اليوم مواتية في ظل تحرر المجلس الأعلي للصحافة -باعتباره المسئول الفعلي والحقيقي عن الصحافة المصرية وليس الوكيل التنفيذي- لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود من التبعية لمجلس الشوري، وتولي المجلس الأعلي للصحافة المسؤلية كاملة عن الصحافة القومية بتشكيله - الذي يضم مجموعة من الخبرات والكفاءات الصحفية والأكاديمية والنقابية والقانونية- واختصاصاته الجديدة لحسم العديد من الأمور، في تولي مسؤلية تلك المؤسسات الصحفية القومية التي تشكل العمود الفقري للصحافة المصرية، واعادة الاعتبار لها كمؤسسات للخدمة العامة تعبر عن كافة قوي المجتمع وليس كمؤسسات حكومية تابعة للدولة. ولقد أحسن المجلس أن يكون في بداية قراراته إلغاء التوصية الصادرة في شهر أكتوبر 2012 عن هيئة مكتب المجلس الأعلي للصحافة بشأن "عدم المد للعاملين في المؤسسات الصحفية بعد سن الستين". والمطلوب الآن من المجلس الأعلي للصحافة تبني مبادرات تواجه تلك المشكلات المزمنة للصحافة المصرية بشكل يجعلها قادرة علي العمل ويخلصها من القيود التي حولتها إلي مؤسسات حكومية أفقدتها مصداقيتها وفاعليتها وتأثيرها بل وقدرة عدد كبير منها علي المنافسة، واقترح أن تعالج تلك المبادرات الجوانب العشر التالية : أولا: الدراسة والتفكير بشكل جدي في مطلب حيوي ومنطقي للصحفيين وهو رفع سن نهاية الخدمة للصحفيين ليصبح 65 أو 68 أسوة بالقضاء، وطرح الموضوع للنقاش داخل الجماعة الصحفية، وذلك من خلال مراجعة وتعديل المادة 61 من قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 والتي تنص علي :" تكون سن التقاعد بالنسبة للعاملين في المؤسسات الصحفية القومية، من صحفيين و إداريين و عمال، ستين عاما. ومع ذلك يجوز مد السن سنة فسنة حتي سن الخامسة و الستين و ذلك بقرار من مجلس الشوري بالنسبة إلي رؤساء التحرير، و بقرار من المجلس الأعلي للصحافة بتوصية من مجلس إدارة المؤسسة بالنسبة إلي غيرهم." فالصحفي كمهني يختلف عن غيره في أن تراكم الخبرة يزيده عمقا ويعطيه ثراء من الصعب ربطه بسن أو مدي زمني . إضافة لما سبق تؤكد القراءة التحليلية للصحافة المصرية خلال العقود الأربعة الماضية- أن الجيل الحالي من الصحفيين المصريين قد تعرض- وكنتيجة للظروف السياسية التي أعقبت عملية تنظيم الصحافة المصرية في أوائل الستينات والتركيز علي صحافة الولاء والتعبئة والحشد - لعملية قتل للطموحات ووقف للمسيرة المهنية لمدة ربع قرن منذ أوائل الثمانينات وحتي منتصف العقد الماضي حيث استمر عدد من رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارة لأكثر من ربع قرن، وخلال تلك الفترة توقفت عملية اكتشاف أو ظهور قيادات صحفية جديدة، ومنذ عام 2005 عندما بدأت آليات جديدة لتجديد دماء الصحافة المصرية القومية لم نجد إلا قيادات صحفية قد تجاوزت الخمسين بل تجاوز بعضها الخامسة والخمسين واقترب من الستين !! ثانيا:دراسة الإجراءات الكفيلة بامتداد مظلة العلاج للصحفيين بعد بلوغهم سن نهاية الخدمة خاصة أن الحاجة للعلاج والرعاية الصحية تزداد مع التقدم في السن. ثالثا: اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية لحماية حقوق الصحفيين العاملين في الصحف الخاصة والصحف الصادرة بتراخيص أجنبية بدءا من التأكد من جدية جهة إصدار الصحيفة وجاهزيتها وقدرتها علي الاستمرار، مرورا بدخول النقابة كطرف في عقد العمل الصحفي، وانتهاء بحماية حقوق الصحفيين في حال إغلاق الصحيفة. رابعا:وضع معايير لاختيار القيادات الصحفية وأساليب متابعة أدائها وتقييمه تركز علي الكفاءة قبل الولاء، وتراعي طبيعة العمل الصحفي، وتحقق العدالة والرضا داخل المؤسسات الصحفية القومية. خامسا: دراسة استيعاب العاملين في المؤسسات الصحفية الاليكترونية في المنظومة الصحفية من خلال تشريع جديد للصحافة الاليكترونية . سادسا: وضع آليات فاعلة ومستدامة للتطوير المهني للصحفيين . سابعا : وضع قواعد لدعم الصحف -وهذا ليس شيئا غريبا أو بدعة- ففي العديد من الدول الأوربية تدعم الحكومة الصحف الإقليمية والصحف الصغيرة . ثامنا :وضع خطة اسعافية عاجلة للمؤسسات الصحفية القومية تبدأ بإسقاط مديونياتها لدي الجهات الحكومية، ثم البدء في تفعيل خطة إستراتيجية متكاملة تبني علي دراسة متكاملة لاقتصادات تلك المؤسسات وتقييم مطبوعاتها في ضوء الأداء المهني والعائد الاقتصادي، وتنتهي برؤية مستقبلية لهياكلها التحريرية والإدارية، قد تتضمن إعادة النظر في تلك الهياكل بالتطوير أو الدمج أو الدخول في شراكات إعلامية. تاسعا : وضع تنظيم لعملية التدريب في المؤسسات الصحفية يحدد آليات الالتحاق بالتدريب وشروطه ومدته ومكافآته تحسبا لتداعيات عدم وجود ضوابط للتدريب التي تعاني منها المؤسسات الآن.