ليس فقط المتلقي المصري والعربي في حاجة إلي مؤلفات باللغة العربية، بل من الأهمية الكبيرة إطلاع الاجيال المختلفة والمتعاقبة من الفنانين علي هذه المؤلفات والتدقيق فيها والوقوف علي أركان التحليل النقدي العلمي والموضوعي، فالفائدة مزدوجة أيضا والأهم من ذلك هو ترجمة هذه المؤلفات مع تعظيم الإخراج الفني لها وطباعة الأعمال الفنية المتضمنة في كل مؤلف بالألوان وبتقنيات ترقي إلي مستوي التواصل البصري بين القارئ وبين المحتوي المدون، وإقتراح الترجمة ليس بدعة ولكن لابد أن نعترف بأن المكتبة العالمية تخلو من الكتب المترجمة بلغات مختلفة عن الفن المصري منذ عام 8091 وحتي الآن، لذلك الغرب يجهل الحركة الفنية المصرية والسبب الرئيسي أن دور النشر لا تهتم ولا المؤسسات الحكومية.. فلابد من وضع هذه القضية من أولويات سياسة الثقافة في مصر ونشرها علي مستوي العالم، نعود لكتاب الناقد الفني المحترف سيد هويدي الذي يتميز كاتبه بالتأني والمتابعة في صمت بدون ضجيج، تحدثت عن الرائدين »الحسين فوزي ومحمود مختار« لريادتهما في مجالات فن الجرافيك والنحت حسب الترتيب علي المستويين المصري والعربي، ومن العلامات الفنية ايضا التي أثرت وكما أشار المؤلف الارستقراطية »إنجي أفلاطون« التي لونت حياة الفلاحين يقول هويدي عنها »الحرية بمعناها المطلق هي مفتاح شخصية »إنجي أفلاطون« الأرستقراطية التي تمردت علي مظاهر الحياة المريحة السهلة لصالح قضايا إنسانية وحياتية مركبة، وواجهت تبعات إنتمائها السياسي عندما دفع بها إلي ظلمة المعتقلات، فقد كانت إنجي واحدة من أفراد جيل الاربعينيات الذي آمن باهمية التغيير، سواء بالفن أو الكلمة والموقف النضالي المناهض للظلم، كما كانت الفنانة إنجي أفلاطون واحدة من الفنانات القليلات اللاتي جسدن عطاء نادراً، من خارج أسوار الأكاديميات الفنية، فلم تمنع الأسوار أيا كانت إنجي من التحقق والإبداع والدفاع عن مبادئها وقناعتها، فقد دفعت من أفراد جيلها فواتير التمرد سنوات من الإعتقال، والنفي الجماعي، والحرمان من ترف الإنتماء إلي الطبقة الارستقراطية والمنع من الفرص المتاحة لأقرانها،.. وإنخرطت إنجي في الحركة الوطنية، وراحت مع زميلاتها الدكتورة لطيفة الزيات، هدي شعراوي، هدي بدير، يطالبن بضرورة الاجر المتساوي، للعمل المتساوي، وأيضا حق الإنتخابات للمرأة المتعلمة،.. وعلي الرغم من ذلك تعد فترة وجود إنجي وراء القضبان بسجن القناطر من أكثر فترات حياتها توهجاً، حيث نجح الأصدقاء في تحقيق طلبها لتهريب ألوان وأدوات الرسم إلي داخل السجن، فرسمت كل شئ، لدرجة أنها تركت لوحات تعد تسجيلا حيا لحياة السجينات في عنابر النوم وطوابير الطعام وحصص الوعظ ومشاغل التأهيل المهني، لكن زنزانتها إتسعت برسمها الحياة بالخارج من شباك الزنزانة خاصة عندما رسمت صفحة النيل الخالد والمراكب الشراعية مبحرة فيه.. كانت الخمس سنوات التي قضتها الفنانة المتمردة وراء القضبان نقلة نوعية تحولت فيها إنجي من الثورة الرومانسية إلي فنانة مثقة. أما عبدالهادي الجزار »الجزار العطاء الملحمة« كان من فرسان هذه الجماعة »جماعة الفن المعاصر« فنان الاساطير صاحب مقولة »إن الفن هو أحد أسلحة الجماهير في معركتها من اجل الكفاية والعدل«.. وقد كانت نشأة الجزار في الاحياء الشعبية، وفي بيئة دينية حيث كان أبوه من رجال الدين تلك البيئة التي شكلت المرحلة الثانية من مراحل فنه، وهكذا تحدث بلغته السريالية و التعبيرية الخاصة عن خوفه الذي يسود الحياة الشعبية، وعن التشاؤم الذي يثقل كاهل الناس، وعن الثورة العاجزة في مواجهة التقاليد الموروثة، ثم الإستسلام الذي ينم عن خيبة الأمل المتكررة، وعن الهزيمة المتوالية وبأسلوب عميق الأثر عكس الجزار ذلك التراث الروحي للأجداد في غلاف تراجيدي مأسوي يتضمن الجمود والتراخي الذي كان يكتنف سطح وقشرة الحياة المصرية في ذلك الحين.. وهكذا تميز فنان القواقع من البداية بشخصية مستقلة، وبالتمرد علي القيود الأكاديمية، وقد إستفاد من المدرسة السريالية التي ظهر أثرها جلياً في أعماقه حيث الارتباط القوي بالبيئة من خلال التعبير الصادق عن نبضها في الواقع، »أما شاعر الحديد والنار« صلاح عبدالكريم وعلي الرغم من الاعتراف الدولي بإبداع عبدالكريم إلا أن لجنة التحكيم التي شكلتها إدارة المتاحف بوزارة الثقافة من أساتذة النحت لتحكيم الأعمال المقدمة لمسابقة التصنيع عام 1963 وقفت طويلا أمام تمثال العامل الذي جمعه الفنان من تروس ومفاتيح ومسامير و سلاسل وجنازير ومفكات، ومفصلات، في قامة ممشوقة، ويدين مشرعتين إلي السماء تقبض علي كتلة دائرية ترمز إلي الذرّة، وقفت اللجنة وأعلنت إحتجاجها، وبعد مناقشات طويلة إرتأت اللجنة أن التمثال لا ينتمي إلي فن النحت«.. ونهر الفن يتمني المزيد من الاصدارات الفنية لإثراء الحركة الثقافية في مصر والعالم العربي.