ولي زمن ميوعة المواقف وإمساك العصا من الوسط انتظارا لما ستنتهي وتؤول إليه الأوضاع.. أصبح من الواجب بل من المفروض أن يحدد كل منا وجهته وموقفه في ظل ما نراه بأم أعيننا من أحداث توحي في ظاهرها للحاقدين والمتربصين المغرضين وأصحاب المصالح أن مصر تتداعي وأنها علي وشك الانهيار، في الوقت الذي تراها فيه الأعين الوطنية المخلصة العاشقة لكل حبة رمل علي أرضها أن الله قد قدر لأم الدنيا أن تفيق في اللحظة التي أوشكت فيها علي الدخول إلي النفق المظلم الذي لو كنا قد تركناها تحشر فيه فلن يؤذن لها بالخروج منه إلا ممزقة. في خضم هذه الموجة العاتية المرعبة تري البعض مازال يتجاهل حقيقة ماتراه عينه واضحاً جلياً من أعمال ترويع وقتل للمدنيين العزل، ويصر علي الإمساك بالعصا من المنتصف حتي إذا ما تأكد له أن الكفة مالت لصالح فئة يميل معها علي الفور ودون خجل من مواقفه السابقة.. هذه ليست مواقف الرجال، بل مواقف المنتفعين الذين يضعون مصلحتهم الضيقة فوق مصلحة الوطن.. مصرليست في حاجة إلي أمثال هؤلاء من متعددي الأوجه .. مصر في حاجة إلي أصحاب الرأي الشجاع الذين يقفون كالأسود يؤازرونها ويصدون عنها وقت الشدة. وإلي هؤلاء من أصحاب المواقف المايعة أقول: لقد آن الأوان أن يحدد كل منكم موقفه.. فإما أن تكونوا مع بلدكم مصر وترفعوا صوتكم وتجهروا برأيكم بكل صراحة ووضوح لتدينوا المؤامرة الإرهابية التي تتعرض لها وتستهدف تركيع مصر وجيشها وهدم أركان الدولة من أجل أن تؤول الهيمنة بشكل كامل في المنطقة لصالح إسرائيل، وإما أن تحتفظوا لأنفسكم بشيء من الكرامة وتنسحبوا من ساحة الوطنية غير مأسوف عليكم.. وإياكم إياكم أن تدعوا أنكم في خندق الإسلام تقاتلون دفاعا عنه فالإسلام منكم ومن أمثالكم براء. قل لي بالله عليك أي دين هذا الذي يأمر المسلم برفع السلاح في وجه أخيه المسلم الأعزل الضعيف في الشوارع وفي الطرقات بل ويوجه سلاحه الغادر إلي نوافذ الآمنين في بيوتهم ليقتل حتي من آثروا العزلة والاحتماء بجدران بيوتهم من الفتنة؟!.. أي دين هذا الذي تحرق فيه دور العبادة ويروع فيه من لا ناقة لهم في اللعبة السياسية ولاجمل، ولا هدف لهم إلا الصلاة والتقرب إلي الله؟!.. أي دين هذا الذي تنتهك فيه حرمات المساجد وتعتلي فيه المآذن لتصوب منها فوهات الرشاشات إلي الآمنين في الشوارع؟! . لا عيب علي الإطلاق في أن يفيق المرء إلي نفسه ويستدرك في الوقت المناسب عندما تزول الغمة عن عينه ويكتشف أن مايراه من تدمير وتخريب وترويع وقتل لا يمت للدين ولا للإنسانية بصلة.. أرجوكم أن تفيقوا لرشدكم ولا تتمادوا في غيكم، وتأكدوا أنكم ساعة أن تفعلوا ذلك فإن صدر أمكم الحنونة مصر سوف يسعكم ولسوف تضمكم إلي حضنها الذي لاملجأ لنا جميعا إلا في دفئه. الأشقاء العرب.. لاجديد لاجديد في موقف العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي أعلن فيه بكل وضوح تأييد المملكة شعبا وحكومة لمصر العظيمة، فقد سبقه إلي نفس الموقف الراحل المحترم الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عندما بادر بقطع إمدادات البترول عن أمريكا والغرب لدعم الموقف المصري أيام حرب 1973 وهو الموقف الذي لم ولن تنساه مصر سواء للملك عبد الله أو الملك فيصل رحمة الله عليه وهو موقف يحسب للشعب السعودي بأسره..ولا جديد أيضا في موقف حكام دولة الإمارات العربية المتحدة الذي تمثل في الإعلان الفوري عن دعمها الكامل لمصر، فهذا هو ما علمهم إياه وأوصاهم به الراحل العظيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حينما قال بكل وضوح »إني أحب مصر فأحبوها«.. وأثمن أيضا المواقف المحترمة لحكومات وشعوب الكويت والبحرين والأردن وليبيا ومعهم سلطنة عمان التي مازلنا نذكر لها وقفتها التاريخية بعدم قطع علاقتها مع مصر عندما تنكر لها الجميع وسعوا إلي عزلها ومقاطعتها بعد توقيع اتفاقية السلام.. بكل الصدق أقول إن الظرف الدقيق الذي تمر به مصر لم يعد يحتمل اللعب والرقص علي الحبال.. وسوف لا تنسي مصر مواقف الرجال الذين ساندوها في محنتها.