التحوط لسلامة الاداء كان ومازال أساس العمل القضائي في مصر التي سبقت العديد من الأمم بوضع ضمانات كافية لحماية ذات الاداء من الخلل ومتابعته تخوفا من الذلل بميزان متعادل الكفتين بين حقوق القضاة من جانب وبين الملتجئين اليه والمدافعين عنهم من الجانب الآخر ثم كللته بإكليل حلف اليمين أو بتلاوة القسم. فكما أعطي القانون للقاضي حق التنحي ضميرياً أو وجوبيا اذا تعارض مع حيدة العدالة فإنه أفسح للمتقاضين حق رد القضاة إنصافا لهم وإبعادا لاي شائبه تشوب العدالة بل ذهب الي منحهم حق مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة في حالات بالغة الندرة كالغدر أو الخطأ المهني الجسيم كما وضع نظاما صارما للمحاسبة التأديبية إمعانا في انضباط القضاء وتطمينا للرعية علي حياتها وكرامتها وأموالها. فمحاسبة القضاة مثلا تتم في دائرة مغلقة وسرية بواسطة المجلس الأعلي للهيئات القضائية وتبدأ أولا بتنبيه القضائي ثم أناطت التأديب بمجلس خاص يرأسه رئيس مكمة النقض وأخيرا يختص النائب العام بأقامة الدعوي التأديبية والتي عقوباتها اللوم، أو العزل بقرار جمهوري ينشر بالجريدة الرسمية بيد ان دعوي التأديب تنقضي باستقالة القاضي أو بإحالته للمعاش فتتم المحاسبة في اطار من الوقار والاحترام. وفي ذات الاتجاه ولنفس الهدف تشكلت بوزارة العدل إدارة للتفتيش القضائي علي أعمال القضاة وهي مؤلفة من مناصب قضائية عليا تؤدي مهمتها مرة علي الأقل كل عامين وتودع ملاحظاتها لإدارة التفتيش متضمنة كفاية عمل القاضي ثم يحال تقريرها الي المجلس الأعلي للهيئات القضائية وبالطبع يكون للتقرير اعتبار عند النظر في ترقية القاضي ليتضح الحرص علي سير العمل القضائي وسيادة القانون لصالح الناس وتكون الدولة قد هيأت لمواطنيها خيرة الضمانات التي صقلتها التجارب وانتجها التطور الاجتماعي الحضاري كما أحكمت ضوابط العدل في كل عصر. وعلي الجانب الاخر صدر قانون المحاماة لينظم المهنة ويحدد علاقتها بالهيئة القضائية ويحمي حقوق نقابة المحامين وإذا كانت المحكمة الدستورية قد أصدرت 21 حكما بعدم دستورية بعض مواده إلا ان موضوع المحاسبة ظل راسخا ويختص به مجلس النقابة »جوازيا« ويبدأ بلفت نظر المحامي عن خطئه كما اجاز للمجلس »وقف المحامي« ما لم ترفع الدعوي التأديبية بطلب من النيابة العامة وغيرها من الهيئات القضائية العليا وجعلت »التأديب« من اختصاص مجلس يرأسه رئيس محكمة استئناف القاهرة واثنان من المستشارين وعضوان من النقابة وفي حالة الادانة تكون العقوبة »محو اسم المحامي« من جدول المشتغلين بالمحاماة مؤقتا أو نهائيا - بحسب الأحوال. أما تلك المهنة الشريفة فقد وصفها القانون بأنها تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وأن تمارس باستقلال ولاسلطان علي المحامين الا ضمائرهم وأحكام القانون ويقال إن الفرنسيين لديهم قاعدة تقليدية تزعم بأن الخالق سبحانه وتعالي يأمر وعلي العباد ان يطيعوه أما المحامي فيأمر موكله وعلي الموكل ان يستجيب لما يراه محاميه ومع ما في ذلك التبجيل من مبالغة إلا أنه يضع المحامي أمام مسئولية خطيرة وهي تأدية مهنتة بأمانة عندما يبدي رأيه لموكله وأن يظهر الحقيقة للمحكمة وأن يكون يقظاً لصحيح الأداء وبذلك ساوي القانون بين محاسبة القضاة في المادة 201 قضائية وما يقابلها بالمادة 89 محاماة وفي الحالتين يتم الحكم علي أيدي صفوة من رجال القضاء بلا تفرقة »بين جناحي العدالة«. وللحديث بقية. كاتب المقال رئيس الجمعية المصرية لرعاية مرضي السكر