من المفارقة أنَّ كل مفصل من مفاصل الفكر السياسي في مصر - حالياً- يحظي بمفهومه الخاص للسياسة والدين والديمقراطية والحرية، لكن بالحدود التي يراها كل فصيل ويؤمن بها. أما العلم والثقافة والمجالات الحيوية للوطن فتم تفصيلها علي مقاس رؤية كل مذهب سياسي. وأفضي ذلك إلي تفريط في الأمن والدم المصري من أجل أن يُختزل الوطن علي حدود الثقافة الدينية أو السياسية لأي قطاع سياسي من القطاعات التي يمثل كل جزء منهم قطعة من الوطن.. وليس غريباً أن نلحظ وبقوة الخلط الكبير بين حقيقة الدين وحقيقة التديُّن، فالدين هو ذات التعاليم التي هي شرعٌ إلهيّ. والتديُّن هو التشرُّع بتلك التعاليم؛ فهو كسبٌ إنسانيّ، وهذا الفارق في الحقيقة يُفضي إلي فارق في الخصائص واختلافٍ في الأحكام بالنسبة لكلٍ منهما.. ولا يبدو كافياً مما سبق الفصل بارتياح بين المفهومين، فالتداخل الطبيعي والخلط المتعمد لخدمةِ الأغراضِ والحاجات الخاصة عقَّد من الأمر كثيراً حتي بات المؤمن - في كثير من الأحوال السياسية- معنياً بسلوك التديُّن دون أن يعني ذلك أو يُفضي مباشرةً إلي حقيقة الدين وما نص عليه. فلكِ الله يا مصرَ، ولك دعاؤنا، فقد شغلتنا أمانة التدريس الجامعي عن كثيرٍ من أحلامنا المصرية.