بدون حديث أو نقاش سابق كان أن اتفق ثلاثتنا: الأخ إبراهيم سعدة، والأخ سمير رجب، وشخصي اتفق ثلاثتنا في وقت واحد علي زيارة السيد كمال الشاذلي بعد عودته من رحلة العلاج في الخارج فكان أن اتصلنا به ورحب كثيرا باستقبالنا في منزله بالقاهرة الجديدة، وهناك فوجئنا بأن عودته من الخارج لم تكن بسبب الشفاء وإتمام العلاج، فقد كان الرجل يرقد في سريره، وفقد الجانب الأعظم من وزنه بما يؤكد أن المرض اللعين قد تمكن منه تماما.. ولكن رغم ذلك كان الرجل صامدا وراسخا يعد مع ابنه معتز كيفية استقبال وضيافة أبناء الباجور الذين سيفدون تباعاً لزيارة ابن بلدتهم الذي أوفي لهم، فأوفوا له حتي اللحظة الأخيرة من حياته! إن أهم ما يميز كمال الشاذلي عن سائر الشخصيات التي نراها علي مسرح الحياة، والذين ابتلتنا الأقدار بالبعض منهم، هو أن هذا الرجل، وطوال سنوات حياته، وفي مختلف المواقع السياسية التي شغلها.. طوال هذه السنوات كان كمال الشاذلي هو كمال الشاذلي.. لم يتغير، ولم يتلون، ولم يرتد أي قناع، أو يفتعل ما هو ليس منه أو عليه، فقد كان رحمه الله صادقا مع نفسه إلي درجة التطابق التام بحيث لا يستطيع أي إنسان الزعم بأن الشاذلي كان »كذا« ثم أصبح »كذا« بعد أن تولي منصبا ما، أو بعد أن غير موقع نشاطه الذي تنوع، ولكنه كان مستمرا، منذ خمسينات القرن الماضي وحتي نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة! وهنا فإنني لا أقيم قناعاته ومواقفه السياسية التي لابد، ومن الطبيعي، أن تختلف الآراء حولها، ولكن نفس هذه الآراء المتباينة لابد وأن تتفق علي أن كمال الشاذلي كان رجلا يحمل »قلب أسد«، وروح المقاتل الذي لا يستسلم أبدا.. حتي لو كان يعاني من هذا المرض القاهر لكل البشر، أو كان راقدا علي فراش المصير المحتوم.. حتي في ذلك كان كمال الشاذلي هو نفس كمال الشاذلي الذي عرفناه طوال سنوات حياته الحافلة أسدا لا يعرف الخنوع أو الاستسلام!