لم تكن زيارة أمريكا فى حساباتى يوما من الأيام ولم تكن زيارتها حلماً يراود خيالى، حقا إنى أحب السفر وزيارة بلاد لم أرها من قبل ولكن لا أعرف السر فى عدم شوقى لزيارة أمريكا، كان لدى إحساس عميق بأن هذا البلد الكبير الذى يعتبر وحده قارة بأكملها يمكن للإنسان أن يختفى فيه دون أن يشعر باختفائه أحد، وقد يكون هذا الإحساس سببه موقفها من إسرائيل وتعاونها معها فى قهر إرادة العرب، رغم أن الفائدة التى تعود عليها من العرب أضعاف ما يعود عليها من إسرائيل، بل إن إسرائيل تمثل عبئا على الاقتصاد الأمريكى، فى حين يعتبر العرب شرياناً رئيسياً للاقتصاد الأمريكى عن طريق البترول والسياحة والصادرات، وقد زاد إحساسى بعدم الرغبة فى زيارة أمريكا بعد موقفها من العراق وأفغانستان، ومحاولاتها المستمرة لقهر الإرادة العربية، والسيطرة على حكامها وإخضاعهم لإرادتها وإشعارهم بأنها صاحبة الفضل فى وصولهم إلى الحكم وبقائهم فيه. كان هذا إحساسى تجاه أمريكا أو على الأقل حكامها ولايزال، وعندما أتتنى الدعوة إلى زيارتها مع نفر من النخبة المفكرة فى مصر جعلنى إحساس سابق أتردد فى قبولها.. لا خوفا من الاتهام بالاستقواء بأمريكا كما ذهب البعض، فقد توجهت لمقابلة نائب السفير الأمريكى فى مصر عندما طلب هو مقابلتى ولم يستطع غير المزايدين وأصحاب المصالح الخاصة وحملة مباخر السلطة المزايدة فى ذلك، لأنهم يعلمون أنى ذهبت لمقابلته لأُسمعه من الكلام ما لم يتعود سماعه من المسؤولين الرسميين فى مصر، ذهبت لأقول له إن المعارضة لا ترفض التعاون معكم فى حالة وصولها إلى الحكم، ولكن تعاون الأنداد وليس التابعين، تعامل المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، ولذلك لم أتردد فى مقابلته حتى يعلم أن شعب مصر مختلف تماما عن حكامه وليس له مصلحة تعلو على مصلحة الشعب، وأخيرا قررت بعد التشاور مع من حولى قبول دعوة الأشقاء فى أمريكا لأنها تدخل فى نطاق خطتنا للعمل على التغيير الذى نسعى إليه، ولأنهم شركاء فى هذا التغيير لأنهم أولا وأخيرا مصريون وإن كانوا لا يعيشون فى مصر بأجسادهم ولكنهم يعيشون فيها بعقولهم وقلوبهم، ولهم فيها رحم وقرابة ونسب يهتمون بهم ويشعرون بمعاناتهم ويريدون أن يساهموا فى رفعة شأنهم وشأن بلدهم، قررت قبول الدعوة لأنه لم يكن ممكنا أن ترفض مصافحة يد شقيق ممدودة لك بالسلام، خاصة أن الدعوة كانت من أخ عزيز علىّ تربطنى به صلة صداقة هو المهندس محمود الشاذلى، رئيس اتحاد المصريين فى نيويورك، سبق أن زارنى فى منزلى فى الإسكندرية عدة مرات، وحمل الدعوة الأخ الصديق صبرى الباجا، والدعوة لم تكن فردية بل كانت مع نخبة من المجاهدين فى الميدان العام فى مصر، تعرفهم مصر كلها جيدا هم: الدكتور يحيى الجمل، والدكتور حسن نافعة، والدكتور أسامة الغزالى حرب، والصديقان العزيزان جورج إسحاق، وسمير عليش، وكان المفروض أن يكون معنا الصديق الإعلامى اللامع حمدى قنديل ولكن لظروف خاصة أجّل سفره إلى وقت آخر. سافرنا جميعا فى طائرة مصر للطيران التى أقلعت من مطار القاهرة الساعة العاشرة صباحا يوم الخميس 13/5/2010 ووصلت إلى مطار كندى فى نيويورك قبل ظهر اليوم نفسه، لاختلاف التوقيت بين مصر وأمريكا حوالى سبع ساعات، وكان فى استقبالنا إخوتنا فى أمريكا من المصريين وعلى رأسهم المهندس محمود الشاذلى، حيث حملتنا السيارات إلى مكان الإقامة، ولم نستطع عمل أى شىء فى هذا اليوم نظرا لتعب السفر أكثر من التجمع على الغذاء، وفى اليوم التالى تم عمل مؤتمر صحفى لشرح الغرض من الزيارة وهو الاحتفال مع الإخوة فى نيويورك بمرور خمس سنوات على إنشاء التجمع، وكذلك بحث ما يمكن أن يقوم به المصريون فى أمريكا من أمور يمكن أن تساهم فى حل مشاكل مصر واستقرارها، وفى اليوم الثانى 15/5/2010 تم عقد المؤتمر وتحدث فيه المتحدثون عن مشاكل مصر وسبل حلها. ويؤخذ على هذا المؤتمر أمران، أولهما أنه كان باللغة الإنجليزية، رغم أن المستمعين والمحاضرين من المصريين وكان يمكن أن تكون اللغة العربية أكثر تعبيرا عما يريده الجميع وثانيهما أنه لم تكن هناك ترجمة فورية تمكن من لا يعرف الإنجليزية مثلى من المتابعة، وللأسف كان هذا شأن جميع الصحفيات الحاضرات المؤتمر مما أشاع بينهن شعورا بالضيق لعدم تمكنهن من تغطية المؤتمر، بالإضافة إلى أن بعض القادمين مثلى لم يكن لهم دور فى الحديث ولا المشاركة وهذا ما أثار ضيق البعض وعدم رضاه، وقد واجهنا القائمين على المؤتمر بذلك واعترفوا بهذا التقصير وعللوه بعدم الخبرة فى تنظيم مثل هذه المؤتمرات، وفى المساء اجتمع الجميع على العشاء أعقبه حفل غناء أحيته المطربة عزة بلبع التى حضرت من مصر خصيصا لهذا الغرض وقد بعث غناؤها جوا من الشوق والحنين للوطن حيث كانت جميع أغانيها فى حب مصر. كان أكثرنا نشاطا فى التواصل مع الإخوة فى أمريكا الأخوان جورج إسحاق وسمير عليش حيث لم يأخذا أى قسط من الراحة فى أمريكا وقد اشتركت معهما فى جزء كبير من هذا النشاط ولم أتخلف عنهما إلا فى لقاء واحد أترك لهما الحديث عنه. وفى يوم الثلاثاء اشتركت معهما فى عمل لقاء فى المساء فى نيويورك مع بعض الإخوة الذين لم يكن لهم حظ فى المشاركة بالمؤتمر، وكان اللقاء فى أحد المقاهى فى حى لا أذكر اسمه الآن وهو حى مشهور فى نيويورك بأنه حى عربى لأنك تشعر وأنت فيه أنك فى بلد عربى حيث إن أغلب المقيمين فيه من العرب والمحال لها اسمان أحدهما إنجليزى والآخر عربى والسلع التى فى المحال عربية وطريقة عرضها عربية، وكان اللقاء مثمرا والنقاش فيه جاد وبنّاء وكان لا يختلف عن الحديث الذى يدور بين الناس فى مصر عن وسيلة التغيير، واتفقنا جميعا على أن مشاركة المصريين الذين يعيشون فى الخارج فى الانتخابات الرئاسية القادمة هى أهم وسيلة للتغيير فى المستقبل، وأنه لابد من العمل بكل همة ونشاط فى هذا الشأن حيث إن الوقت ليس فى صالح نجاح هذا الهدف. ثم انتقلنا فى يوم الأربعاء صباحا إلى واشنطن، الأخوان جورج إسحاق وسمير عليش وكنت معهما حيث وصلنا بعد العصر وكان فى استقبالنا الدكتور أمين والأخت الفاضلة الدكتورة دينا درويش وهما من أكثر المصريين نشاطا فى أمريكا، وبعد جلسة قصيرة فى أحد المحال العامة انتقلنا إلى منزل أو قل قصر الدكتور عادل وهو طبيب وجراح عظام وهو من المصريين الذين أفاء الله عليهم من نعمه الكثير، وعندما تجلس وتتعامل معه تشعر أنه جدير بهذه النعمة فى خلقه وتفاعله مع الناس وبساطته التى جعلته موضع إعجاب الجميع وحبهم، وقد دعا الدكتور عادل إلى هذا الاجتماع جمعا كبيرا من الإخوة المصريين قارب الخمسين ودار فى هذا الاجتماع حوار بناء اشترك فيه الجميع حول مستقبل مصر وما يقابل هذا المستقبل من عقبات والحلول المقترحة لها، ويمكن أن يقال إن هذا الاجتماع كان من أنجح الاجتماعات التى حدثت فى أمريكا من حيث الفاعلية والأثر المرجو، وقد توسط هذا الاجتماع عشاء فاخر على الطريقة المصرية فى الكرم وأنواع الطعام، ثم عدنا ثلاثتنا فى اليوم التالى الخميس 20/5/2010 لنصل إلى نيويورك عصرا ونستقل الطائرة فى الساعة السادسة والنصف مساء إلى القاهرة حيث وصلنا فى يوم الجمعة 21/5/2010 الساعة الثانية عشرة ظهرا. هذا ملخص بسيط لهذه الرحلة التى أعتبرها أنا رحلة شاقة من أجل تدعيم الكفاح الذى نقوم به فى مصر لإحداث التغيير الذى نكافح من أجله، وقد علمنا ونحن فى أمريكا أن هناك أصواتا تقول إننا ذهبنا إلى أمريكا لكى نقوم بما ننتقد الحكومة المصرية عندما تقوم به وهو الاستقواء بها، والغريب أن يصدر هذا الكلام من إخوة فى الكفاح من أجل التغيير، لأنه إذا كان متوقعا أن يصدر هذا الكلام من أعوان الحكومة وحملة مباخرها لأنهم لا يريدون أن يشاركهم أحد فى التقرب إلى حكام أمريكا خوفا من سحب البساط من تحت أرجلهم، فليس متوقعا أن يأتى من إخوة لنا فى الكفاح، وهذا ما جعلنا نشعر بمرارة هذا الاتهام الجائر لأننا ونحن فى أمريكا لم يتم أى لقاء بيننا وبين أى شخصية أجنبية ولا حتى عربية خارج نطاق الإخوة المصريين، وقد طلب بعض ممثلى الجمعيات الأمريكية التى تعمل فى الشأن العام اللقاء بنا ولكنا رفضنا من أجل الابتعاد عن شبهة الاستعانة بالأجنبى وقلنا لهم إنه ليس لدينا أى استعداد للقاء أى إنسان غير مصرى وإذا كان ممثلو هذه الجمعيات يريدون لقاءنا، فليكن ذلك فى مصر، رغم أننا فى حاجة ماسة لهذه الجمعيات التى تتولى مراقبة الانتخابات فى جميع أنحاء العالم وهو ما نطالب به فى مصر. بقى أمر مهم أريد الإشارة إليه وهو أن ما أظهرته الصحافة من وجود خلاف بين جورج إسحاق وبعض الإخوة فى الاتحاد فى أمريكا لا يعدو أن يكون خلافا فى وجهات النظر من حيث التنظيم الذى سبق أن أشرت إليه، وهو خلاف من أجل المصلحة العامة لإظهار المؤتمر بشكل أفضل وهو على أى حال خلاف بين الأشقاء لا يفسد للود قضية. وإلى اللقاء فى مقال آخر. [email protected]