ليس هناك احد منا لا يرتبط بمواطن مصري من الذين استقروا في بلاد الهجرة. ان الكثيرين منهم حققوا نجاحا في الانشطة التي يمارسونها كما ان بعضهم اتيحت له الفرصة ليجمعوا ثروات تتفاوت قيمتها من شخص لآخر. هذه النماذج المشرفة والتي أنعم عليها الله بوفرة المال والخبرة والنفوذ في مجال عملها تدفعنا إلي أن نقول بأعلي الصوت.. ربنا يفتح عليهم ويوسع عليهم من رزقه. إن كل ما نرجوه من هؤلاء الاخوة والابناء ألا ينسوا بلدهم الذي نشأوا في احضانه مهما كانت طبيعة المعاناة والمرارات التي واجهتهم في بداية حياتهم . عليهم يوما ان يتذكروا جذورهم وانتماءهم لتراب هذا البلد وهو ما يستوجب منهم ان يشاركوا في عمليات البناء والتنمية والمساهمة في ازالة المشاكل والعقبات التي عانوا منها. ليس ما نطلبه شيئا جديدا او غريبا ولكنه امر يتوافق تماما وما يقوم به مهاجرون آخرون يمثلون العديد من الدول العربية كالمغرب وتونس ولبنان وسوريا. ان انتماء هؤلاء المهاجرين القوي لوطنهم الام وتجاوبا مع المشاعر التي من المفروض ان تربطهم به تجعلهم مهتمين بأن يكون لخبرتهم واموالهم نصيب من المساهمة في النهوض بما يحتاج اليه وطنهم من مشروعات تطوير وتنمية. صحيح ان هناك بعضا من هؤلاء المصريين المهاجرين حرصوا علي ان يكون لهم وجود في بلدهم رغم المصاعب التي واجهتهم إلا أن الامانة تقتضي منا ان نقول ايضا ان الغالبية منهم لا يملكون الحمية والحماس لان يكون لهم دور في نهضة بلادهم. لقد كان الرئيس الراحل أنور السادات وراء مبادرة دعوة هؤلاء المصريين المهاجرين للمساهمة في بناء كباري من العلاقات القوية مع وطنهم. إنه لم يأل جهدا من أجل تحميسهم وتشجيعهم بل كان يتدخل بنفسه شخصيا لمساعدتهم وازالة ما قد يقف عقبة امام مشروعاتهم وجهودهم . ولكن الملاحظ وللأسف إن تواجدهم ومساهمتهم ورغم مرور السنين الطويلة مازالت دون المستوي ولا تتناسب مع الامكانات المتوافرة لديهم . هنا لابد ان نعترف بأن ما لاقاه بعضهم من متاعب ومشاكل من جانب مسئولين بعضهم وللاسف من الكبار الذين يفتقدون الي التقدير الصحيح للمصلحة الوطنية هو ما جعلهم يسقطون في هوة النفاق الاجتماعي وعدم القدرة علي التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ. ان مواقفهم العدائية من هذه العناصر التي صدقت دعوة المساهمة في المشروعات الانمائية في مصر جعلتهم يلعنون اليوم الذي جاءوا فيه بأموالهم وخبرتهم الي وطنهم الأم. صحيح ان بعضهم لم يكن علي المستوي اللائق من الانتماء لهذا الوطن ولكن ما تعرض له البعض من العناصر المخلصة جعلت الكثيرين منهم يتراجعون عن الاستجابة لما هو مطلوب منهم. ولعل ما يشير الي اهمالنا وعدم اهتمامنا بفئة المهاجرين المصريين قيامنا بالغاء احدي الوزارات التي كانت مخصصة لرعايتهم وخدمتهم وهي وزارة الهجرة والمصريين في الخارج. بهذه المناسبة وعلي سبيل المثال قرأت تقريرا صحفيا في احدي الصحف العربية يتحدث عن الدور الرائد للمهاجرين التونسيين في جهود النهوض ببلدهم اقتصاديا واجتماعيا. استند هذا التقرير إلي احصاءات تونسية رسمية فيما يتعلق بعدد المشروعات التي اسسها هؤلاء المهاجرون المغتربون في بلدهم. اشارت هذه البيانات إلي ان عدد هذه المشروعات بلغ 11 ألف مشروع تكلفت مئات الملايين من الدولارات اتاحت 64 ألف فرصة عمل وهو رقم كبير اذا ما علمنا ان تعداد تونس لا يتجاوز العشرة ملايين نسمة. ويقول التقرير ان معظم هذه المساهمات تتم في مشروعات صغيرة لا يتجاوز رأسمال الواحد منها ال62 ألف دولار.. ان هذه المبادرات من جانب المغتربين التونسيين تأتي إضافة للتحويلات المالية التي وصلت إلي مليارين من الدولارات عام 9002. ولتشجيع المهاجرين علي الاستثمار ببلدهم تم الغاء جميع الاجراءات الادارية التي تعوق اقامة مشروعاتهم . في نفس الوقت تعتمد تونس علي سياحة التونسيين المهاجرين الذين تصل انفاقاتهم خلال فترة اجازاتهم إلي مئات الملايين من الدولارات. اليس من حق مصر علي ابنائها ان تطالبهم بأن تكون دوما في خاطرهم وألا يكونوا ابدا اقل من اخوانهم المهاجرين والمغتربين العرب في كل بلاد الدنيا.