ماذا تريد الولاياتالمتحدة من الشرق الاوسط، ومتي تستقر سياستها علي مسار واحد وتنهي لعبها علي حبال الشعارات الخاوية من اي مضمون، فتناصر الديمقراطية حقيقة وليس فقط في التصريحات البروتوكولية بينما هي في الوقت نفسه تدعم القوي الجالبة للفوضي. مرة يحدثنا المسؤولون الاميركيون عن الفوضي الخلاقة، واخري عن ولادة الشرق الاوسط الجديد، هذه الولادة التي تطيل مخاضها الادارات الاميركية المتعاقبة، وفي ثالثة يخرجون علينا ببدعة محاربة الارهاب فنراهم يحاربون الاسلام علي اختلاف توجهاته، فالي متي ستبقي الولاياتالمتحدة تنظر الي هذه المنطقة وكأنها حقل تجارب. منذ انشاء الكيان الاسرائيلي في العام 1948، تغيرت المصطلحات الاميركية بالنسبة للشرق الاوسط عشرات المرات لكن الذهنية بقيت نفسها، اي إضعاف دول المنطقة باستثناء اسرائيل، فمنذ انقلاب الضباط الاحرار في العام 1952 وواشنطن تدعم كل الحركات الانقلابية في العالم العربي، أسقطت الملك فاروق، وبعده الملك فيصل بن الحسين في العراق، ومن ثم دعمت الانقلابيين في سورية واليمن وليبيا، وناصرت الثورة علي شاه ايران الذي حل مكانه شاه آخر اكثر دموية وقمعا متسترا بعباءة الدين. فهل كان الموقف الاميركي آنذاك سعيا حقيقيا الي احلال الديمقراطية.. ما يجري حاليا في مصر، والموقف الاميركي الملتبس بشأنه دليل آخر علي عدم مصداقية واشنطن في سياستها الشرق اوسطية، اذ كيف يمكن لادارة اوباما ان تصم آذانها عن صوت 33 مليون مصري خرجوا الي الشوارع والميادين مطالبين برحيل حكم "الاخوان" تلك الجماعة التي كشرت عن انيابها منذ اللحظة الاولي لهيمنتها علي حكم مصر، وبدأت سياسة اقصاء وتطهير منافية لأبسط قواعد الديمقراطية، ومع ذلك غضت الطرف عن تلك الممارسات، بل دعمتها في الكثير من الاحيان اكان مباشرة او غير مباشرة، وباتت اجتماعات السفيرة الاميركية في القاهرة آن باترسون مع نائب مرشد الجماعة خيرت الشاطر شبه يومية ما اعتبره العديد من المراقبين تنسيقا يوميا لجدول اعمال الرئاسة المصرية. في الايام القليلة الماضية استطاع الشعب المصري الحي تمزيق القناع لتظهر الملامح البشعة والمخيفة للوجه الاميركي وكشف زيف التبجح بالديمقراطية وحقوق الانسان التي لم تراعها يوما واشنطن في دعمها تل ابيب ازاء الفلسطينيين. بعد كل هذا أليس مضحكا أن يتساءل الاميركيون عن سبب عداء الشعوب العربية لبلادهم، وينفقون مئات ملايين الدولارات للتوصل الي جواب عن هذا السؤال. الا تدرك الادارة الاميركية ان باستفزازها للشعوب العربية تزيد من العداء لها، ام هي لا تقيم وزنا ابدا لهذه الشعوب طالما ان سياستها تخدم الاهداف الستراتجية للمشروع الصهيوني. منذ عقود عدة عرف "الاخوان" أنهم جماعة ارهابية ومنهم خرجت العديد من العصابات المتطرفة، ورغم ذلك لم تتأخر واشنطن في اعلان دعمها الصريح لهؤلاء في الهيمنة علي الحكم في كل من تونس وليبيا ومصر، اي انها دعمت الارهابيين في السيطرة علي الدول فهل تخيل الرئيس اوباما للحظة واحدة ماذا سيكون عليه العالم العربي في حال وضعت تلك الجماعات يدها علي مقدرات الشعوب. نستغرب كيف تمنح الادارة الاميركية لنفسها حق التدخل بشؤون دولة مثل مصر قال شعبها كلمته، وتطالب باطلاق سراح رئيس مخلوع، ليس مسجونا في الاساس، بل تحض علي اعادته الي الحكم رغم ان عشرات ملايين المصريين خلعوه وبالوسائل الديمقراطية الشعبية، فماذا سيكون موقف هذه الادارة لو كنا طالبنا باطلاق سراح مقاتلي تنظيم القاعدة والعفو عن اسامة بن لادن قبل قتله، او الكف حاليا عن ملاحقة ايمن الظواهري، فهل كانت واشنطن ستقف مكتوفة الايدي حيال هذه المطالبة ام ستقول ان ذلك يشجع علي الارهاب، وتعتبرها تدخلا بشؤونها الداخلية. لقد بدأ الشك يتسلل الينا حول من يرسم سياسة هذه القوة العظمي ويعمل علي تنفيذها وخصوصا كيلها في الشرق الاوسط بمكيال حقوق الانسان والديمقراطية المليء بالثقوب، فيما هي تجاهد لتحمي الارهابيين، ليس في مصر وحدها، بل في العالم العربي كله.