شاعت عبارة ملطفة للزوبعة التي هبت علي العلاقة بين السلطة الثانية وبين المحاماة، بمقولة ان المجموعتين هما »جناحا العدالة« تشبها بالطائر الذي يمكنه جناحاه من الاقلاع بجسمه ليحلق في الفضاء. ومع ما في تلك العبارة من وقع مهديء للانفس، المعبأة بالدهشة والعتاب والملامة، وهي مستوحاة من »المشاركة« الواردة بالمادة الاولي من قانون المحاماة. غير ان عبارة »جناحي العدالة« يجب الا يضيع معها الفارق الجوهري بين وظيفة كل منهما، وعلاقتهما بالمجتمع فجناحا الطائر متساويان في تركيبهما وقوتهما ليكتمل له الاتزان وسهولة الطيران، اما الامر هنا فليس كذلك فشروط الالتحاق بكليات الحقوق والتخرج في احداها، هي القاسم المشرك. فقانون المحاماة، مثلا لم يحدد السن الادني للقيد بسجل المحاماة، بل حدد 50 عاما كحد اقصي للتسجيل، بينما ينص قانون السلطة القضائية علي الا يقل سن القاضي بالمحاكم الابتدائية عن 30 عاما و38 عاما بالاستئناف و42 عاما للنقض. وان الذي يهمنا من تلك المقارنة هو كيفية استغلال فترة ما بين سن التخرج وبين بدء الممارسة القضائية اوالمحاماة، وهي السنوات التي تتميز بقابلية العقول لامتصاص المعلومات، والصبر علي القراءة والتأمل. وحرية الاختيار بين القضاء والمحاماة وتخليق الضمائر وتنميتها علي ايدي معلمين مخلصين وعارفين يساندهم الدعم المالي للدارسين، ليعيشوا معيشة كريمة تشبعهم بالقناعة والرضاء المطلوبين لممارسة نزيهة. بعدئذ يتضح الفارق بين »الجناحين« فأحدهما ينطلق بجناحي »اليقين والرحمة« للفصل بالعدل والاخر يتحصن بعلوم الدفاع عن موكليه. كما ترددت شائعات حامت حول اشرف المهمومين بمحاربة التقاضي غير الشريف، وقد وصلت الي حد السمسرة الكاذبة وسرعان ما تكشف خداعها وعاد النصابون الي جحورهم المهددة بالخراب. وقد دفعنا ذلك الحال الي استعراض الضمانات التي وضعها قانونا تنظيم التقاضي، لترسيخ الثقة عند اصحاب الحقوق ونشر الامان بين المترددين منهم وقد تضمن القانونان قسما يقسم امام الله وامام رؤسائهم فيقيدهم ويحاكم كل من يخالفونه. فقسم القضاة ونصه »اقسم بالله العظيم ان احكم بين الناس بالعدل، وان احترم القوانين« يتسلسل قيميا بما يتفق ودرجاتهم، فرئيس محكمة النقض يقسم امام رئيس الجمهورية، كما يقسم نواب الرئيس ورؤساء الاستئاف امام الجمعية العامة لمحكمة النقض، ويقسم مستشارو النقض والاستئناف امام دوائر النقض- وما عدا هؤلاء فيرددون اليمين امام احدي محاكم الاستئناف، والمقترح ان يضاف الي هذا القسم عبارتا »بدون التفرقة بينهم« و»الاخلاص للوطن واحترام الدستور« كذلك تضاف الي قسم المحامين ونصه »اقسم بالله العظيم ان امارس اعمال المحاماة بالشرف والامانة والاستقلال، وان احافظ علي سر مهنة المحاماة وتقاليدها وان احترم الدستور والقانون« عبارة »الاخلاص للوطن« وان ينضم عند اداء اليمين- الي اعضاء نقابة المحامين الثلاثة- اعضاء من السلطة القضائية الذين سوف يقفون امامهم بالمحاكم، لإعطاء اليمين قوة رسمية. ... وللحديث بقية كاتب المقال رئيس الجمعية المصرية لرعاية مرضي السكر