طالعتنا جريدة الاخبار الاثيرة لدي القراء في عددها الصادر الخميس 28 مارس الماضي للاستاذ الصحفي المتميز صالح الصالحي حكما تاريخيا لمحكمة القضاء الاداري بالاسكندرية برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية المستشارين عوض الملهطاني وخالد جابر واحمد درويش وعبد الوهاب السيد نواب رئيس المجلس انصفت فيه اعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية واوقفت تنفيذ قرار وزير التعليم العالي في شأن التقارير الذاتية لصرف بدل الجامعة الذي تكفل بوضع شروطه القانون واكدت ان قرار الوزير مخالفة صارخة لاستقلال الجامعات وغصب لسلطة المشرع يلاحظ علي هذا الحكم القضائي اننا كاستاذة الجامعات ندرك انه كتب بحرفية وكأن المحكمة مارست العمل الجامعي فعلا وهو ما يبعث علي الاطئنان علي المستوي الثقافي الرائع للمحكمة فضلا عن المستوي العلمي القانوني المذهل للمحكمة وبذا يزداد ثقة المجتمع في القضاء ويطمئن الي احكامه، لقد ادركت المحكمة وتحدثت عن مفهوم استقلال الجامعات علي نحوه الصحيح اكثر مما يعرفه اساتذة الجامعات انفسهم اذ قالت في حيثياتها ( مبدأ استقلال الجامعات بات الركن الركين لتقدم المجتمعات وقد حرص المشرع العادي علي النص عليه وارتقي به المشرع الدستوري الي مصاف المبادئ الدستورية ومن ثم اضحي علي جميع سلطات الدولة احترامه فلا تملك الحكومة خرقه او العبث به وان حقيقة وجوهر مبدأ استقلال الجامعات يكمن في الاستقلال المنهجي بالمفهوم الكامل من النواحي الفكرية والابداعية والاجتماعية فهو ليس استقلالا ماليا واداريا وعلميا فحسب بحسبان ان استاذ الجامعة لا سلطان عليه الا لضميره العلمي دون تأثير عليه، ذلك ان من مقتضيات مناخ الحرية بلا ريب يرسخ حرية البحث العلمي). كما ان المحكمة تعطي درسا بليغا للدولة بكافة اجهزتها لاطلاق حرية البحث العالمي لاساتذة الجامعات دون قيود حينما ربطت بين تدني التصنيف العالمي لجامعاتنا وبين حرية البحث العلمي اذ قالت(ولا يخفي علي احد ان ما كشف عنه التصنيف العالمي من احتلال الجامعات المصرية لمراكز متدنية من بين جامعات العالم رغم ان الجامعات المصرية هي الاسبق من كثير منها تاريخيا كان بسبب القيود التي كبلت بها الدولة حرية البحث العلمي وحرية استاذ الجامعة اذ صرفته بتلك القيود عن اهتمامه الاساسي وكان يجب علي الدولة في نظامها الحاكم الجديد بعد ثورة الشعب ان تنحي منحي ازالة تلك القيود لا العمل علي زيادة تكبيلها لينعم المجتمع بالحرية في التعبير عن ارادته وكان يجب علي النظام الحاكم ان يدرك ان الثقل الحقيقي لتقدم الدولة في العصر الحديث يتوقف علي حرية البحث العلمي واستقلال الجامعات ورفع مستويات المؤسسات التعليمية وقد تجلت عبقرية العلماء المصريين حينما تحرروا من تلك القيود بالخارج في كثير من المحافل الدولية) واخيرا كم كانت المحكمة قد بلغت قمة الذكاء القانوني حينما حددت الهدف من وراء اصدار هذا القرار والباعث عليه في عبارات قوية شامخة من اجل التعددية في المذاهب العلمية اذ قالت (ان هذا القرار كان الهدف منه تحسس هوية اعضاء هيئة التدريس لمنح البعض ومنع الاخرين علي غرار نظم الحكم الشمولية اكثر منه من اي نظام اخر، و انه لا يجوز للدولة ان تفرض علي الاساتذة بصدد منح هذا البدل او غيره قيودا من شأنها ان تؤدي بهم الي صيرورتهم في مذهب محدد للكافة بل يجب عليها ان تحترم التعددية في المذاهب العلمية التي تنشأ في المجتمع العلمي، ولا يجوز بعد ثورة الشعب ان تتخذ الحكومة من سلطتها وسيلة لتقييد حرية العلم والفكر والابداع وان اي تدخل او خرق لمبدأ استقلال الجامعات يعد تعارضا صارخا مع القيم الحضارية للمجتمع وتهديدا لمستقبل الوطن) وفي كلمة جامعة فإن هذا الحكم يجب ان يدرس في منهجه الرائع في كافة الجامعات المصرية ولا ابالغ انه تعدي في حجته مايماثله من اتجاه القضاء الاداري الفرنسي انه يحوي فكرا عظيما لرجال القضاء الذي يظن البعض انه قابع فقط في برج النصوص القانونية فإذا بهم يطوفون بفكرهم المدهش في الحياة الوظيفية لاستاذة الجامعات،، تحية تقدير واعتزاز لمحكمة القضاء الاداري بالاسكندرية رئيسا واعضاء من جميع اعضاء هيئة تدريس بالجامعات المصرية والمعيدين والمدرسين المساعدين بها.