أوقفت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، تنفيذ قرار وزير التعليم العالي الذي اشترط تقديم أساتذة الجامعات لتقارير ذاتية لصرف بدل الجامعة . أكدت المحكمة أن قرار الوزير مخالفة صارخة لاستقلال الجامعات وغصب لسلطة المشرع . و قضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية المستشارين عوض الملهطانى وخالد جابر واحمد درويش وعبد الوهاب السيد نواب رئيس المجلس حكما تاريخيا بوقف تنفيذ قرار وزير التعليم العالي الصادر في شان التقارير الذاتية لصرف بدل الجامعة لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية المقرر بالقانون رقم 84 لسنة 2012وما يترتب على ذلك من أثار اخصها أحقية المدعيين والمتدخلين انضماما معهم في صرف ذلك البدل دون الاعتداد بالتقارير الذاتية المعدومة الأثر قانونا وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان. قالت المحكمة إن مبدأ استقلال الجامعات بات الركن الركين لتقدم المجتمعات وقد حرص المشرع العادي على النص عليه وارتقى به المشرع الدستوري إلى مصاف المبادئ الدستورية. ومن ثم أضحى على جميع سلطات الدولة احترامه فلا تملك الحكومة خرقه أو العبث به وان حقيقة وجوهر مبدأ استقلال الجامعات يكمن فى الاستقلال المنهجي بالمفهوم الكامل من النواحي الفكرية والإبداعية والاجتماعية فهو ليس استقلالا ماليا وإداريا وعلميا فحسب بحسبان أن أستاذ الجامعة هو وحدة الجامعة لا سلطان عليه، إلا لضميره العلمي دون تأثير عليه ,ذلك أن من مقتضيات مناخ الحرية بلا ريب حرية البحث العلمي ولا يخفى على احد. أضاف الحكم إن ما كشف عنه التصنيف العالمي من احتلال الجامعات المصرية لمراكز متدنية من بين جامعات العالم رغم أن الجامعات المصرية هي الأسبق من كثير منها تاريخيا كان بسبب القيود التي كبلت بها الدولة حرية البحث العلمي وحرية أستاذ الجامعة اذ صرفته بتلك القيود عن اهتمامه الأساسي وكان يجب على الدولة فى نظامها الحاكم الجديد بعد ثورة الشعب أن تنحى منحى إزالة تلك القيود لا العمل على زيادة تكبيلها لينعم المجتمع بالحرية فى التعبير عن ارادته وكان يجب على النظام الحاكم ان يدرك ان الثقل الحقيقى لتقدم الدولة فى العصر الحديث يتوقف على حرية البحث العلمى واستقلال الجامعات ورفع مستويات المؤسسات التعليمية وقد تجلت عبقرية العلماء المصريين حينما تحرروا من تلك القيود بالخارج فى كثير من المحافل الدولية. وقالت المحكمة إن القانون تكفل بوضع شروط استحقاق بدل الجامعة ولم يفوض رئيس الوزراء أو وزير التعليم العالي أو المجلس الأعلى للجامعات وضع شروط أخرى لاستحقاق البدل. وان قرار وزير التعليم العالي فرض على أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية التقارير الذاتية لصرف الزيادة في بدل الجامعة وفى سبيل أحكام قبضته لنفاذ تلك التقارير اوجب عليهم رفع النسخة الالكترونية لموقع الوزارة بل اوجب على رؤساء الأقسام إرسالهم للنسخ الالكترونية التي تصلهم من أعضاء هيئة التدريس إلى البريد الالكتروني للوزارة متغولا بذلك على مبدا استقلال الجامعات. وأضاف: على الرغم من ان القانون وسد لرؤساء الجامعات مسؤلية تنفيذ القوانين واللوائح كما أناط لمنظومة الجامعات وهى مجالس الجامعات والكليات ومجالس الأقسام ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء مجالس الأقسام مهمة إدارة الشأن الجامعي بكل دقائقه وتفصيلاته ,ولم يشأ القانون ان يعقد لوزير التعليم العالي ثمة اختصاص بشان الجامعات سوى رئاسة المجلس الأعلى للجامعات بحكم منصبه وبالاختصاصات الواردة حصرا بالقانون والتى ليس من بينها مخالفة القوانين الأعلى مرتبة ودرجة . وتابع : بالتالى يكون قرار الوزير مهانة لكبرياء أستاذ الجامعة المنارة المضيئة واهانة لمكانة الأستاذية عند الشعب لا تليق بأساتذة الجامعات وعلمائها تكون اقرب إلى التسلط على أدق بياناتهم الشخصية ليتحسس معرفة هويتهم على غرار نظم الحكم الشمولى منه في أى نظام أخر ,وقد تغافل الوزير عن أن استحقاق بدل الجامعة هو حق لأعضاء هيئة التدريس والوظائف المعاونة فهو ليس منحة في يد الوزير أن شاء منحها وان رغب منعها وإنما يستمدون حقهم من القانون مباشرة . وبهذه المثابة يكون قرار الوزير قد صد معيبا بخلل جسيم ويمثل افتئاتا على سلطة المشرع فى تقرير البدل متعارضا مع الشرعية وسيادة القانون باعتبار انه لا ولاية له فى إصداره مما ينحدر به الى حد العدم والعدم موات لا تقوم له قائمة ولا يعدو أن يكون فعل مادي منعدم الأثر قانونا ولا تلحقه حصانة تعصمه من ملاذ المواطنين بالقضاء العادل العاصم من القواصم وبحسبان أن أساتذة الجامعات لا تخضع لتقارير الوزارة وانما للتقارير العلمية وضمير الأستاذية وقد أضحى ذلك القرار بين عشية وضحاها على شفا جرف هار فانهار به في حمأة عدم المشروعية. وأضافت المحكمة انه لا يجوز للدولة أن تفرض على الأساتذة بصدد منح هذا البدل أو غيره قيودا من شانها أن تؤدى بهم إلى صيرورتهم في مذهب محدد للكافة بل يجب عليها أن تحترم التعددية في المذاهب العلمية، التي تنشا في المجتمع العلمي ,ولا يجوز بعد ثورة الشعب أن تتخذ الحكومة من سلطتها وسيلة لتقييد حرية العلم والفكر والإبداع وان أى تدخل او خرق لمبدأ استقلال الجامعات يعد تعارضا صارخا مع القيم الحضارية للمجتمع وتهديدا لمستقبل الوطن. واختتمت المحكمة حكمها التاريخي بأن منع أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية من الارتزاق وتعليق صرف البدل على تقارير ذاتية لمنح البعض ومنع الآخرين هو كالحريق يتعين إخماده والوقت حرج فيه مما ينعكس أثره السلبي على نفوسهم وعلى حياة أسرهم الاجتماعية والمادية لذا أمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان.