الفنان »عصمت داوستاشي« واحد من اكثر فنانينا التشكيليين تواجدا وانتشارا واكثرهم قدرة علي اثراء عقولنا قبل عيوننا بصدقه وبلاغة افكاره وحلاوة خطوطه وقوة الوانه.. فهو فنان فوق العادة اشبه بموسوعة ثقافية متكاملة سواء ظهر رساما أو حفارا أو نحاتا أو مصورا فوتوغرافيا.. أو لعب دور الناقد والكاتب والباحث أو الشاعر والفيلسوف المهموم بأوجاع الطبقات الشعبية واهتماماتهم، الثائر ضد الظلم والفساد السيادي والاجتماعي.؛ ومنذ أيام احتفلنا معه بميلاده السبعين تلاميذ وانقادا وفنانين واصدقاء الكل شاركوه فرحته بافتتاح معرضين لأعماله يقيمهما لهذه المناسبة بين القاهرة والاسكندرية، الأول يشغل قاعات مركز محمود سعيد ويضم 71 عملاً تمثل لقطات مشرقة من مشواره الفني .؛ أما العاصمة فتستضيف معرضا ضخما تنظمه قاعة »ارت كورنر« يستعرض فيه الفنان بستة واربعين لوحة تمثل مختارات من اعماله التي ابدعها عبر 15 سنة فناً وابداعاً بدءاً من 2691 تاريخ أول معارضه الخاصة وظهور مجموعة »الكف« لأول مرة كنقطة انطلاقته الحقيقية حيث برزت ملامح شخصيته الفنية وتأكد اهتمامه بأصوله الشعبية والمناخ الأسطوري، ثم جاءت مرحلة »السهم« وابعاده الرمزية، »فخروج المستنير دادا« في بدايات السبعينيات وما بعدها والتي اختتمها الفنان بأعمال »ما قبل وبعد الثورة« حيث اتخذت ريشته ملمحاً وبعدا سياسيا عميقا يفضح بها رءوس الفساد في عصر مبارك.. ومع الشرارة الأولي لثورة 52 يناير تراقصت خطوطه وابتهجت ألوانه..لكن سرعان ما شابها احساس بالخوف والقلق والحسرة علي ما آل اليه حالنا فجاءت ضربات فرشاته باهتة، مضطربة، غير مستقرة.. ولون الدم القاني يظهر وعلم مصر يعلو ويتحدي!؛ وعندما تعجز الريشة ويعصاه القلم عن توصيل رسالته لايجد أبلغ من الصمت سلاحا فيترك اللوحة فارغة صماء.. تاركا لخيال المتلقي حرية اختيار العناصر وتصور طريق الخلاص.. وهذه ليست المرة الأولي التي ينتهج فيها هذا المنهج فسبق في عهد مبارك أن اصدر سباعية »معرض * كتاب« في شكل مجلد صغير صفحاته فارغة ترتدي السواد او تكتسي بالحمرة أو البياض أو غيرها من الألوان التي ربما تصيبك للحظات بصدمة لكن سرعان ما تتداركها وتتفاعل معها وتصبح جزءاً منها وشريكا فاعلا فيها!؛ هذه بعض من ملامح مشوار عصمت داوستاشي الذي حرص في يوم ميلاده السبعين علي عرض عملين من كل مرحلة تكون بمثابة انتعاشة لذاكرة المتلقي وشاهدا علي تطور اسلوبه وتنوع وغزارة انتاجه. في نفس الوقت فاجأنا »داوستاشي« كعادته- باصدار كتيب الكتروني »C.D« يحتوي علي اكثر من ثلاثة آلاف لوحة بتوقيعه مصحوبة بسيرته الذاتية وعدد من الدراسات والابحاث القيمة.؛