عبدالحافظ الصاوى الهند من الدول ذات الديمقراطيات العريقة، ولكنها لازالت تحتفظ بهامش كبير من الفروق الطبقية، علي الرغم من أنها حققت انجازات اقتصادية كبيرة علي صعيد المؤشرات الكلية الاقتصادية، وأصبحت واحدة من الدول المصدرة للتكنولوجيا، بسبب تركيزها علي الاستفادة من مواردها البشرية واعتبارها ثروة وليست محنة، كما يتم في بلدنا. ونحن نري الاستثمارات الهندية تنتشر في مصر منذ سنوات، ويملأ الخبراء الهنود مصانعنا في مجال النسيج، والالكترونيات، ولا يقتصر هذا التوجه علي مصر فقط، ولكن الهند تتوسع في تواجدها بجميع اقتصاديات دول المنطقة. عدالة القانون كانت الحكومة الهندية قد أجرت تعديلا علي قانون الطفل يقضي بإلزام المدارس الخاصة بتخصيص 25 ٪ من مقاعدها الدراسية لأبناء الطبقة المحرومة من التعليم، في مرحلة التعليم الأساسي (6 14 سنة) علي أن تعوضهم الحكومة بدفع قيمة ما تتكلفه الموازنة العامة للطفل في المدارس العامة. وبخاصة أن الحكومة تمد هذه المدارس بالخدمات والمرافق العامة، وعلي المدارس أن تتحمل المسئولية مع الحكومة فيما يتعلق بتوفير التعليم الإلزامي للجميع. كما بررت الحكومة تعديلها هذا علي قانون الطفل لأنه يأتي بهدف الاندماج الاجتماعي في الهند، فلا يجب أن تكون المدارس منعزلة عن المجتمع. وبطبيعة الحال عارض البعض من أصحاب المصالح هذا التعديل القانون، إلا أن المحكمة الهندية العليا قضت بدستورية القانون، في أبريل من عام 2012 وذلك حسبما ذكر تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 2013 والصادر منذ أيام. والدرس هنا في التجربة الهندية أن العدالة الاجتماعية لم تتم بحرق مقرات الأحزاب، ولا بغلق الميادبن الحيوية التي ترتبط بها مصالح الناس، لما يزيد علي 6 أشهر، ولكن عبر القانون، ولما اعترض أصحاب المدارس علي التعديل القانوني، لم يهددوا بإغلاق المدارس، ولا الامتناع عن أداء الامتحانات، أو الامتناع عن دفع الضرائب، أو تحميل الطلاب لديها بأعباء جديدة، ولكن كان الملاذ الآمن للجميع القانون، الذي يرسي العدل والاستقرار الاجتماعي. الأمر الثاني، المهم وهو أن التعديل استهدف مواجهة ظاهرة اجتماعية سلبية خطيرة، وهي الاستبعاد الاجتماعي، في ظل مجتمع يتجه نحو دور كبير وحقيقي للقطاع الخاص. ولكنهم يعلمون أن المال له وظيفة اجتماعية، وليس مجرد ملكية مطلقة للحائزين عليه، فأبناء المجتمع الواحد، لابد من إزالة الفوارق الاجتماعية فيما بينهم، بغض النظر عن دخولهم المادية. لو تم في مصر ماذا لو اتخذ مثل هذا التعديل القانوني في مصر علي قانون الطفل، أحسب أننا بحاجة إلي مراجعة العديد من مكونات خاطئة شكلت وعينا الوطني والاجتماعي. فما تم علي مدار العقود الخمس الماضية، جعل البعض من المصريين الذين تعاظمت ثرواتهم المادية، بغض النظر عن مصدرها، إلي ممارسة ما يسمي في علم الاجتماع بالاستبعاد الاجتماعي الطوعي. فأقيمت التجمعات السكانية ذات الأسوار العالية، في ظل حراسات أمنية خاصة، كما اختاروا لأبنائهم تعليمًا بعيدًا تمامًا عن المنهج التعليمي المصري، ما بين المنهج الانجليزي، أو المنهج الأمريكي، وكذلك نواديهم الاجتماعية أصبحت ذات رسوم لا تطاق ولا يمكن لأبناء الطبقة المتوسطة من أن يقتربوا منها، فضلا عن أبناء الطبقات المحرومة. وللأسف فإن بعض الأعضاء بالتجمعات السياسية أو الاجتماعية التي تنادي بتطبيق العدالة الاجتماعية، تجدهم أول من يسارع بالحاق أبنائهم بالمناهج التعليمية غير المصرية، ويكونوا سعداء باجادة أبنائهم للغات غير العربية. فنحن أمام نموذجين من التعامل مع قضية العدالة الاجتماعية، الأولي في الهند تعمل علي إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية من خلال إحداث تغيرات هيكلية في بنية المجتمع، وبين فريق مصر كانت سعادة غامرة لأنه أحراق بعض محلات السلاسل التجارية، باعتبارها ممولة لاتجاه سياسي معاد له. هذا فضلا عن استخدام المقولات الجاهزة، بأن الحكومة تغازل الفقراء ولن تنفذ شيئا، أو أن يتخذ البعض من الأبواق الإعلامية الهدامة منبرًا لمهاجمة التجربة، ووصفها أنها تستهدف أبناء تيار سياسي ما، أو أن الحكومة تصفي حساباتها مع أصحاب المدارس الخاصة، من أجل أن يسيطر رجال الأعمال التابعين لها علي مجال المدارس الخاصة. التجربة الهندية بها الكثير من المعاني الجيدة التي يمكن الاستفادة منها في مصر، وليس شرطًا أن نستنسخها، ولكن كيف نستفيد منها في مصر في ظل حالة ارتفاع معدلات التسرب من التعليم بمرحلة التعليم الأساسي بمصر، مما نتج عنه استمرار معدلات الأمية المرتفعة في مصر. لست من رجال التعليم ولكني أدعوهم للاستفادة منها، حيث شرح التجربة تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 2013 في صفحة 81، وبلا شك أن ما أشار إليه التقرير البعد القانوني للقضية، ولكن لكي نستفيد بشكل صحيح منها، علينا أن ننظر إلي الآلية التي تم تنفيذ حكم المحكمة العليا بالهند، والصادر في أبريل 2012. وفي نفس الوقت أدعو جميع الفصائل السياسية للاستفادة من التجربة الهندية، وكيف تم إنزال المبادئ والأفكار إلي واقع معيش، دون نزاع مسلح أو ممارسة عنف. اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.