إلي قريتي نكلا العنب الرابضة في أحضان فرع رشيد ساقتني الأقدار. قلت لعلها فرصة للهروب من جحيم القاهرة وضجيجها وفوضاها. وبدلا من ساعتين اعتدت قضاءهما فوق الأسفلت حتي الوصول إلي القرية قطعت أربع ساعات ونصف الساعة بسبب أزمة السولار التي تخنق الطريق، وبدلا من اللترات المعتادة التي توصلني إلي قريتي استهلكت السيارة كمية مضاعفة في مسافة لا تتعدي 021 كيلومترا، واستهلكت معها طاقة من الصبر لم تعد قادرة علي التحمل! وعلي مشارف القرية فوجئت بمحطة البنزين الصغيرة تخنق الطريق الضيق صراعا علي الجاز الذي تعمل به الجرارات وماكينات الري التي تحيي الأرض الموات، وفوجئت بوجوه أهل بلدي الطيبين البسطاء وقد علتها غبرة ترهقها قترة الإحباط حزنا علي أراضيهم التي يهددها العطش وخوفا علي محاصيلهم التي اقترب حصادها وغاب السولار الذي تدور به ماكينات الحصاد، لكن ما خفي كان أعظم. قال لي عمي الأكبر ان قرار الرئيس مرسي بالتجاوز عن القروض الصغيرة في حدود 10 آلاف جنيه من بنوك التسليف الزراعية كان دخانا في الهواء، عندما ذهبوا إلي البنوك بحثا عن تفعيل القرار تنفيذا لكلام رئيس الجمهورية منذ بدايات عهده، صدمهم مسئولو تلك البنوك بقولهم: ليس لدينا أوامر بذلك، ولأن الأرض لا يمكنها ان تتحمل الاهمال في بذورها وسمادها وخدمتها، فلم يجد أهل قريتي الطيبون سوي أغنياء الفوضي، ليقترضوا منهم بضمان المحصول ثم يسددون تلك القروض في نهاية الموسم - بعد شهور قليلة - مضاعفة بالتمام والكمال، ومن لا يعجبه فليترك أرضه رهنا للبوار أو رهنا لانتزاع الملكية بواسطة بنوك الائتمان الزراعي. إن الفلاح هو آخر حائط صد للفوضي، فهل نقدر صمته النبيل قبل أن ينطق بالكلام غير المباح؟!