قدرى ىونس الكاشف رغم ماصاحب توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية من إعلام بشر آنذاك بالرخاء الذي ينتظر المصريين بعد إتمام الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، إلا أن هذا الإقليم المصري العائد بعد سنوات إحتلال (طويلة ومريرة) لم يظفر بفرصة واحدة لتحقيق هذا الحلم المصري الجميل. وتبدأ الحكاية من مرحلة توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي حددت مسئوليات والتزامات الجانبين (المصري والإسرائيلي) فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية في سيناء التي وضعتها المعاهدة في إطار أربع مناطق طولية : منها ثلاث مناطق تغطي سيناء بكاملها (نحو61 الف كم2)، مقابل منطقة واحدة داخل إسرائيل بعمق لايتجاوز 3كم فقط (نحو 750كم2 علي أكثر تقدير)، ولقد حددت المعاهدة المناطق الثلاث داخل سيناء في شكل متتابع يبدأ من الغرب بالمنطقة الأولي »أ« طول قناة وخليج السويس حتي رأس محمد بعمق شرقي يصل نحو 58كم داخل يابسة سيناء وسمحت المعاهدة لمصر بأكبر قدر من القوات والمعدات بهذه المنطقة قياساً بالمناطق الأخري (22 ألف جندي مصري -230دبابة-480مركبة قتال مدرعة -262مدفع ميدان ومضاد للطائرات)، تليها شرقاً المنطقة الثانية (ب) وتمتد من غرب الشيخ زويد (شمالاً) حتي غرب شرم الشيخ (جنوباً) حيث سمحت المعاهدة لمصر بنشر 4 آلاف جندي مجهزين بالسلاح والمركبات وقوات شرطة مدنية، تليها المنطقة الثالثة »ج« التي تشغل ماتبقي من شبه جزيرة سيناء بطول الحدود السياسية الشرقية لمصر (مع كل من اسرائيل والاردن والسعودية) بعمق 33كم حيث سمحت المعاهدة لمصر بنشر 750 فرد شرطة مدنية فقط وكل زيادة لعدد ونوعية القوات بعد ذلك فإنه إستثناء لم تقره الإتفاقية ولكن أقرته التفاهمات الثنائية بين مصر وإسرائيل في كل حالة وطبقا ًلكل ظرف . في المنطقة الأولي »أ« التي توجد بها القوات المصرية الأكبر فلقد بدأت الدولة باعادة الهيكلة الادارية لسيناء التي كانت طيلة تاريخها الاداري محافظة واحدة حتي حرب عام 1967 وقامت بتقسيم سيناء الي محافظتين(شمال وجنوبسيناء) بعد أن اقتطعت الجزء الشرقي لقناة السويس وخليج السويس من سيناء وضمته كامتداد شرقي لمحافظات بورسعيد والاسماعيلية والسويس علي التوالي ثم باشرت الدولة بتنفيذ أهم المشروعات التي أقيمت في سيناء فهناك قناة السويس التي أعيد إفتتاحها بعد أقل من عامين من توقف العمليات العسكرية في حرب إكتوبر عام1973وسارعت مصر بوضع وتنفيذ أعمال ضخمة لتطهير وتطوير المجري الملاحي لقناة السويس , واقامة الميناء المحوري لتصبح هذه الأعمال نواة للمشروع القومي لتنمية منطقة شرق بورسعيد داخل سيناء (مشروع شرق التفريعة ) و المخطط ان يضم منطقة صناعية ومدينة مليونية إلي جانب أول زمام لترعة الشيخ جابر (زمام سهل الطينة) . كما أقامت الدولة كوبري السلام لربط سيناء بالوادي وعلي مقربة منه الزمام الثاني للترعة( زمام جنوب القنطرة شرق ) الي جانب اقامة كوبري الفردان وسارعت الدولة باستكمال مشروعها الذي سبق له ان توقف نتيجة لاحتلال اسرائيل لسيناء في حرب عام1967م.. توجت الدولة ذلك كله بالإعلان عن قرب مولد مشروع ضخم لتنمية محور قناة السويس باستثمارات تبلغ نحو 4.5 تريليون دولار توفر حوالي 450 الف فرصة مباشرة و1.2 مليون فرصةعمل غير مباشرة خلال العشرين عاماًً القادمة في إطار مخطط يستهدف تحويل هذا المحور اللوجستي إلي عاصمة إقتصادية لمصر. أما المنطقة الثانية »ب« الأقل تسليحاً وأفراداً لحرس الحدود فلقد فشل المشروع القومي لتنمية وتعمير سيناء (1994-2017) في تحقيق أهدافه المحدودة بها . أما المنطقة الثالثة »ج« فلم يتحقق لها نمو (سوي النمو النسبي في مناطق من الحسنة التي تشهد انشطة استخراجية للثروات المحجرية الي جانب صناعة الأسمنت ) فهي الأقل أفراداً وتسليحاً (كماً ونوعاً) قياساً بالمنطقتين الأولي »أ« والثانية »ب« ، اضافة الي منتجع شرم الشيخ الذي حظي باهتمام الرئيس السابق ترجمة لنصيحة امريكية بالابتعاد عن القاهرة الي شرم الشيخ تأميناً لحياته هرباً من مخاطر مرحلة مابعد اغتيال السادات طبقاً لرواية الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ...اما باقي المنطقة »ج« فهي تعاني حصاد سنوات الاهمال مضافاً اليها وزر المشكلة الفلسطينية عملاً بالمثل الشعبي القائل " من جاور الحداد انكوي بناره" فمعظم سكان مركزي رفح والشيخ زويد عانوا مما يعاني منه سكان المنطقة »ب« بأعدادهم المحدودة مضافاً اليها مخاطر الاعتداءات الاسرائيلية علي غزة التي اصابت العديد من منازل وسكان مدينة رفح المصرية التي كانت تهتز أرضها هزاً عنيفاً من جراء القصف الاسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية الملاصقة كماتحمل مركز رفح الإداري المخاطر الأعمق تأثيراً في مجال اقامة شبكة الأنفاق التي باتت حفراً تهدد العديد من المساكن بالانهيار إلي جانب أن مركزي رفح المصرية والحسنة يشكلان معاً مضيق اليابسة التي تتجمع فيه كل خيوط التهريب بكافة أنواعه وأشكاله... كما لا تزال تغطي معظم المنطقة »ب« شبكات المحمول الإسرائيلية تأكيداً علي أن هذه المنطقة أكثر مناطق سيناء فقراً في التسليح والتنمية . من مجمل العرض السابق يتضح ذلك التطابق المخيف المثير للريبة، فالمعادلة هنا متساوية الطرفين حيث إن ترتيبات التنمية تتفق تماماً مع الترتيبات الأمنية وفي سياق واحد : فكلما زاد التواجد العسكري المصري زادت فرص التنمية والاستثمار والعكس صحيح فكلما انخفض هذا التواجد انخفضت أيضاً فرص النمو الاقتصادي ،وبعبارة أخري فإن يد مصر تبدو وكأنها غير مطلقة في إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية المأمولة في سيناء الأمر الذي يدفع البعض إلي تفسير ذلك علي أن يد مصر مغلولة بقيود سرية في معاهدة السلام، وزاد من ترسيخ هذا الاعتقاد عدم قيام أية جهة مسئولة في مصر بنفي أو تأكيد هذا الاتهام علي خطورته...!!... ويظل هذا التطابق الأمني التنموي مثيراً للخوف والريبة علي مستقبل سيناء الذي حلمنا به جميلاً منذ نصر إكتوبر 1973، ولازلنا ننتظر أن يتحول هذا الحلم إلي واقع خير تعيشه الأجيال التالية لجيلنا الذي ارتوي من كأس مرارة الانتظار لأمل لم يتحقق بعد دون أن يعرف : ما السبب...!؟