من المتوقع وفقا لكل الظواهر والبوادر والمقدمات البادية علي الساحة السياسية الآن، ان نشهد خلال الأيام القليلة القادمة، تصاعدا محسوسا وملموسا في سخونة السباق الانتخابي، الذي بدأت ملامحه تتحدد وتتضح بشكل نسبي في جميع الدوائر الانتخابية بطول مصر وعرضها، انتظارا لإعلان الحزب الوطني عن مرشحيه، فور انتهاءعمل مجمعاته الانتخابية وعمليات الفرز والاختيار الجارية بها، خاصة وقد انتهت جميع الاحزاب، أو كادت من اعلان مرشحيها. وفي هذا الاطار، فإن جميع المقدمات الجارية والظاهرة الآن، تنبئ بمنافسة ساخنة، وحادة ومشروعة تشعل السباق علي مقاعد مجلس الشعب بين جميع القوي الفاعلة علي الساحة السياسية، سعيا لكسب ثقة الجماهير، والاستحواذ علي رضاها، واصواتها، باعتبارها جواز المرور الشرعي للجلوس تحت قبة البرلمان في دورته الجديدة. وانطلاقامن ذلك يكون من الطبيعي ان تزداد سرعة التحرك النشط لجميع الاحزاب، وجميع القوي السياسية المشاركة في الانتخابات، والساعية للحصول علي ثقة الجماهير، والوصول لاقناع القاعدة العريضة من المواطنين بأنهم الأكثر استحقاقا لنيل هذه الثقة، والأكثر جدارة للحصول علي اصواتهم، وتمثيلهم في مجلس الشعب. ومن الطبيعي أيضا ان تختلف وتتعدد صور واشكال هذه التحركات، وتلك المساعي وان تتنوع وسائل وطرق ذلك الاقناع طبقا لاختلاف المرشحين، واختلاف الدوائر وتنوع وتعدد واختلاف التركيبة السكانية في كل دائرة من الدوائر، وما يتبع ذلك بالضرورة من اختلاف المفاهيم والقيم الاجتماعية السائدة، وايضا تنوع واختلاف المستويات الثقافية، والاقتصادية، وهو ما يحتم ايضا وبالضرورة، اختلاف وتنوع الخطاب الانتخابي، ووسائل اقناع الجماهير وكسب ودهم ثم أصواتهم. وتأسيسا علي ذلك، تصبح البرامج الانتخابية ضرورة لا غني عنها بالنسبة للمرشح، وكذلك لكل الاحزاب، باعتبارها في مقدمة الوسائل المعمول بها في منظومة الدعاية وكسب ثقة الناخب، وجذب المؤيدين لافكاره وبرنامجه من بين الفئات الاكثر اهتماما وانشغالا بالنظر والفرز والمفاضلة بين المرشحين علي أساس انتماءاتهم الحزبية، ومواقف ورؤي هذه الاحزاب ومرشحيها تجاه القضايا والتحديات التي تواجه الوطن والمواطن، في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية،...، وهنا تكون هذه البرامج إحدي الوسائل الفعالة في تحديد هوية المرشحين، وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، وهو ما يعطي الناخب مجالا لتحديد الأكثر استحقاقا من بين المرشحين لنيل ثقته، والحصول علي صوته الانتخابي.
واحسب اننا جميعا ومعنا كل المهتمين والمتابعين للشأن العام في مصر، نقدر أهمية وضرورة البرنامج الانتخابي لكل حزب، باعتباره الوثيقة المعلنة والمؤكدة للحزب، والتي تعبر عن رؤية هذا الحزب وموقفه تجاه جميع القضايا الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية والثقافية، التي تهم المواطن، في حاضره ومستقبله، وهي في ذات الوقت رؤية ملزمة للمرشح عن الحزب. ولكننا وفي اطار ما يجب ان نلتزم به من الصراحة والشفافية، تجاه القاريء لابد ان نقول انه من الملاحظ واللافت للنظر قلة الإدراك بأهمية البرنامج الانتخابي لدي الكثير من الأحزاب المتواجدة علي الساحة، وانه من بين ما يصل إلي 42 حزبا شرعيا في مصر، يكاد عموم المواطنين في المحروسة يجهلون برامج ما يزيد علي ثلاثة ارباع عددها،....، وهذا شيء يدعو إلي الأسف في الحقيقة. والداعي للأسف في ذلك، هو ان المسئولية في ذلك تعود إلي تقصير واضح من هذه الاحزاب في الاعلام عن نفسها، والإعلان عن برامجها، والسعي للتواجد بين الجماهير، والعمل الجاد والمستمر لنشر مباديء الحزب والدعوة إليه، والدعوة لتبني مبادئه وأهدافه،...، ونحن في ذلك لا نتجاهل ما يتطلبه ذلك من جهد مكثف، كما لا نتغافل عن عزوف عامة المواطنين عن التعرف علي برامج واهداف جميع الاحزاب، وعزوفهم أيضا عن المشاركة في عمليات الفرز والتفرقة بين الاحزاب علي اساس البرامج. ولكننا في نفس الوقت نلقي بالتبعة في ذلك علي الاحزاب وكوادرها في هذا الخصوص، انطلاقا من ضرورة تحملها مسئولية السعي الدائم والجاد لحض المواطنين علي المشاركة في الشأن العام، والاهتمام بما يجري علي الساحة الحزبية والسياسية، وما تموج به هذه الساحة من افكار وبرامج وتوجيهات،...، وحتي يتحقق ذلك لابد ان نعترف بأن معلومات واهتمامات عموم المواطنين وغالبيتهم تكاد تقتصر علي الإلمام بنشاط وبرامج وتوجهات بعض الأحزاب وليس كلها.
ولا نخالف الواقع القائم علي الساحة الحزبية والسياسية، إذا ما قلنا ان الحزب الوطني الديمقراطي يأتي في المقدمة من هؤلاء البعض، من حيث اهتمام المواطنين ومعرفتهم بنشاطه وبرنامجه وتوجهاته، في ظل النشاط المكثف والدائم للحزب وهيئة مكتبه، وأمانته العامة والامانات المتخصصة المنبثقة عنها، وما شهده من عمليات إصلاح، وإعادة بناء ضخمة، وتطوير وتحديث شاملة ابتداء من عام 2002 تسارعت خطواتها خلال السنوات الخمس الماضية،...، وهو ما اثمر عن تواجد حقيقي وملموس علي الساحة وبين الجماهير، تمت ترجمته في حجم العضوية ومساحة الانتشار. وفي ضوء هذا النشاط المكثف شهد الحزب خلال الاعوام الماضية الانطلاقة القوية للفكر الجديد، الذي اصبح دافعا ومحركا لإعادة بناء الحزب علي أسس علمية وعملية حديثة تتوافق مع الواقع المصري، وطبيعة المجتمع وروابطه وقيمه وثقافته،...، وهو ما ظهر جليا ومتبلورا في البرنامج الانتخابي الشامل والمتكامل الذي خاض به الرئيس مبارك رئيس الحزب انتخابات الرئاسة، وحاز علي أساسه ثقة الشعب في أول انتخابات حرة ومباشرة لرئيس الجمهورية. وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي ان يصبح برنامج الحزب الوطني معروفا ومعلوما وفي متناول الجميع، ومحط المتابعة والاهتمام من الكل، وأيضا موضع الاشادة أو النقد من المتابعين للشأن العام وهو ما يجعلنا نسجل للحزب موقعه المتقدم علي كل الاحزاب من حيث العضوية والانتشار والتواجد علي الساحة، وبين الجماهير وهو واقع يفرض نفسه ويقر به الجميع، ولا يستطيع احد تجاهله.
وفي اطار الصراحة الواجبة، لابد ان نقول بوضوح، ان الناخب المصري مازال أكثر ميلا لاختيار المرشحين علي أساس الاقتناع الشخصي بجهد المرشح في تقديم الخدمات المباشرة للدائرة الانتخابية، وقدرته علي الوفاء بحاجة الدائرة الي تحسين مستوي المرافق الأساسية في التعليم والصحة، والعلاج والمياه والطرق والاسكان والصرف الصحي والنقل والمواصلات وغير ذلك من الخدمات التي يحتاجها المواطن في كل مكان، وكل دائرة انتخابية. ويتواكب مع ذلك ويسير معه في نفس الخط، ما اشرنا إليه قبل ذلك في تناولنا لقضية الانتخابات، من اهمية ليست قليلة علي الاطلاق، للاعتبار العائلي والروابط الأسرية في الدوائر ذات الطبيعة الريفية، وكذلك الروابط والانتماءات القبلية في دوائر سيناء، والبحر الأحمر، وبعض الدوائر الاخري علي خريطة مصر غربا وشرقا وجنوبا. وفي اطار المصارحة الواجبة أيضا، لابد ان نقول بوضوح أنه ليس معني ذلك اننا لا نثمن البرامج الانتخابية، أو ندعو لعدم الاهتمام بها، فذلك غير صحيح، كما انه غير وارد علي الاطلاق، وليس مطلوبا ايضا،...، اما ما نراه واجبا، ومطلوبا، هو عكس ذلك علي طول الخط، حيث لابد من دعوة كل الاحزاب لوضع برامج واضحة، تحدد رؤيتها، وموقفها من جميع القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الوطن والمواطن. ولابد ان تبذل الاحزاب، وجميع القوي الفاعلة علي الساحة السياسية جهدا مضاعفا لنشر ثقافة الولاء للحزب، والاختيار علي اساس الافكار والمباديء والالتزامات الواردة في البرامج المحددة والملزمة للحزب والمرشحين، وان يكون ذلك هو أساس المفاضلة بين المرشحين واساس منح الصوت الانتخابي. ولابد أيضا ان يقوم المجتمع المدني بكل صنوفه وألوانه بدور مكثف ومطلوب لنشر هذه الثقافة، والدعوة في كل مكان، وعلي جميع المستويات الاجتماعية، لتغليب البرامج والولاء للافكار والمباديء علي الولاء للقرابة أو العائلة، أو القبيلة والتركيز علي ان ذلك يمثل ركنا مهما من اركان الممارسة الديمقراطية.
واحسب ان جميع الاحزاب السياسية تدرك، ان برنامجها الانتخابي يكون ناجحا ومؤثرا وفاعلا اذا ما توافرت فيه عدة شروط أساسية، يأتي في المقدمة منها بالقطع، ان يكون معبرا عن آمال وطموحات الجماهير في تحسين واقع الحياة الذي يعيشون فيه، وتغييره إلي ما هو أفضل،...، علي ان يتواكب ذلك ويلازمه في ذات الوقت التبشير بغد أكثر اشراقا من اليوم. وفي هذا الخصوص، لابد ان يتعامل البرنامج بواقعية شديدة مع الحاضر الذي تلمسه الجماهير في عموم الوطن، وان يرصد بجدية جميع القضايا والمشاكل والتحديات التي تواجه المواطنين في عموميتها وشمولها، وان يقدم ويطرح الحلول لهذه المشاكل، وتلك القضايا، وان تكون هذه الحلول، وذلك الطرح ممكن التحقيق، وواضح المعالم، حتي تتوافر ثقة الجماهير في امكانيات تحقيقه، ومن الضروري ان تكون هذه الحلول في اطار الرؤية الشاملة للحزب تجاه قضايا الوطن، وان تكون متسقة مع أهداف الحزب ومبادئه حتي تتوافر لها المصداقية، وتحصل علي ثقة عموم الناس وخاصتهم،...، وأن تأتي هذه الحلول في اطار البرنامج التنفيذي الملزم، الذي يحدد مواقيت زمنية للتنفيذ والاداء. وهذا للأمانة وللواقع هو ما ورد في برنامج الحزب الوطني، وما تضمنه هذا البرنامج، وهو ما التزم به الحزب، وتم انجازه بالفعل. ومن البديهي في هذه الحالة، ان يحصل البرنامج علي ثقة الجماهير وتأييدهم، مادام معبرا تعبيرا صادقا عن واقع الحال بالنسبة للغالبية العظمي من ابناء الوطن، وراصدا لجميع القضايا التي تشغلهم، وتستحوذ علي اهتمامهم، ومتعرضا لجميع المشاكل الجسيمة التي تلم بهم في حياتهم اليومية، وطارحا لأفكار وحلول لها تتعامل معها بكل الجدية والموضوعية.
وفي هذا الاطار، كان من المهم ألا يتوقف البرنامج الحزبي عند التعامل مع القضايا والمشاكل التي تواجه المواطنين وتستحوذ علي اهتمامهم فقط، بل أن يقدم رؤية شاملة وواضحة للمستقبل تقوم في أساسها وجوهرها علي استشراف آفاق هذا المستقبل بالنسبة للوطن والمواطن ككل، وان تكون هذه الرؤية منطلقة في شمولها من قاعدة الواقع، وفي اطار خطة شاملة وواضحة لتغيير هذا الواقع خلال آفاق زمنية محددة،...، وهذا ما تضمنه برنامج الحزب أيضاً. وهذا يدعونا للقول بأن البرنامج الحزبي يكون أكثر قبولا ومصداقية، إذا ما كان معبرا عن آمال الجماهير وطارحا لقضاياهم، ومتعاملا مع مشاكلهم، وايضا مقدما وطارحا لرؤية واضحة لغيير هذا الواقع، ومبشرا في ذات الوقت بمستقبل أفضل للوطن والمواطن، علي جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يضمن ويحقق الحياة الكريمة لكل المواطنين، ويفتح أمامهم أبواب المستقبل الأفضل، في رحاب وطن قوي وآمن ومستقر يتيح لأفراده جميع الحقوق المتساوية في إطار شامل من الحرية والديمقراطية والمواطنة التي تؤكد علي مساواة الكل في الحقوق والواجبات دون تمييز لاحد علي آخر.
هذا ما فعله الحزب الوطني، علي أرض الواقع الحزبي والسياسي، وفي اطار العمل الجاد لصالح الجماهير،...، وكنا ومازلنا نأمل أن يكون للأحزاب الشرعية الأخري جهداً وفعلاً علي نفس القدر ونفس المستوي حتي تكون الساحة السياسية والحزبية أكثر ثراء، وأكثر تفاعلاً مع الجماهير وقضاياهم.