اليوم يمر عامان وشهر علي ثورة 25 يناير. وفي معرض حديث جمعني وبعض الاصدقاء سئلت ماذا سيسجل التاريخ عن مصر وشعبها في ضوء ما جري من أحداث منذ يناير وحتي اليوم. وكان ردي هو نفسه الذي رددت به علي سؤال مشابه منذ عدة شهور. وان كان اعتقادي قد ترسخ . ويقيني بصحته قد تأصل. وجاء الرد كالتالي سيسجل التاريخ ان هذا الشعب كانت لديه فرصة ذهبية لدخول التاريخ من أوسع ابوابه بعد ان تمرد علي الفساد والفاسدين ورفع شعارات الحرية والعدالة .. لكنه ويا للأسف لم يستمر علي نفس الوتيرة . وتحولت تلك القيم الي فوضي. وتجاوز. وانفلات.. وبدأ انها كانت وللأسف. اقوالا لا افعالا... سيسجل التاريخ ان جميع فصائل المشهد السياسي المصري بلا استثناء فضلت مصالحها الشخصية واجندتها السياسية الخاصة بدلا من ان تضع المصالح العليا للبلاد نصب اعينها وهدفاً اسمي تسعي الي تحقيقه... سيسجل التاريخ اننا شعب يعشق الخلاف ويذوب عشقاً في الاختلاف. شعب يكره الوحدة والتآلف.. وان لم يجد ما يختلف عليه . سيختلق ما يختلف عليه.. سيسجل التاريخ اننا جعلنا من محاكمة الرئيس السابق قمة المنتهي ومعقد الرجاء.. بدلا من ان نجعلها بداية لعمل جاد وجهد دؤوب من أجل مستقبل افضل لهذا الجيل ولأجيال قادمة من بعدنا.. سيسجل التاريخ اننا عايشنا اعلاماً فاسداً ومضللاً. يفتقد الي ادني درجات المهنية. والنزاهة . والموضوعية.. حصرنا في الماضي وكرس كل امكاناته بحثاً عن اخطاء وسقطات وفضائح لرموز النظام السابق .. سيسجل التاريخ ان الإعلام الفاسد لم يحاول ولو ذرا للرماد.. مناقشة افكار وطروحات لكيفية نهوض مصر من عثرتها وتحقيقها لمستقبل افضل تسود فيه الحرية والعدالة والديمقراطية .. سيسجل التاريخ اننا لم نستلهم الماضي واخطاءه بغية تلمس دروس وعبر وعظات قدر ما استلهمناه بدافع التشفي والرغبة في الانتقام . . سيسجل التاريخ ان الثورة البيضاء التي خرجت للحرية والعدالة والديمقراطية . دفع بعض من زهرة شبابنا ارواحهم طواعية لتحقيقها في ايام الثورة الأولي.. تحولت لثورة بلطجية . ومطالب فئوية. وانتهازية. واناركية.. تاهت فيها كل المطالب المشروعة السامية والسلمية.. سيسجل التاريخ اننا لم نقدر شهداءنا حق قدرهم ولم نعطهم حقهم. بل زايدنا عليهم .واستغللنا طهارتهم وبرائتهم ..وضيعنا الوقت في المطالبة بتعويضات واموال وحقوق.. لو سألوهم عنها لكانوا أول من استنكرها وطالبونا بدلاً من ذلك. أن نحقق لهم حلمهم في وطن ديمقراطي تسوده العدالة والحرية.. سيسجل التاريخ ان البعض منا جاوز كل الحدود وهاجموا مؤسساتنا العسكرية.. بحجة ان مجلسها شيء وجيشها شيء آخر.. وهو كلام لا يخيل حتي علي طفل لا يزال في المهد يحبو .. مشكلة كثير من هؤلاء انهم لم يعيشوا أياماً دفع فيها ابناء هذا الجيش الغالي والنفيس ثمناً لاسترداد العزة لبلد والكرامة لوطن .. سيسجل التاريخ اننا شعب يفتقد ادني درجات الاحساس بالمسئولية. يفتقد الضمير الحي. الكل يفكر في ذاته وليذهب الآخرون إلي الجحيم. الكل فاسد. والفساد يضرب في الجذور.. الكل يستغل الازمات الطاحنة التي نعيشها لكي يسعي إلي تحقيق مصالح شخصية علي حساب الآخرين.. سيسجل التاريخ ان مصر ابتليت بمن يطلقون علي انفسهم الصفوة والنخبة.. ويملأون الدنيا صراخا وضجيجا صباح مساء علي شاشات الفضائيات.. ولم يقدم احد منهم مشروعاً او فكرة واحدة في سبيل تقدم ورفعة هذا البلد .. يزعمون انهم صفوة ونخبة. وبعضهم لم يقرأ كتاباً واحداً في حياته .. ولعن الله الانترنت التي جعلت كل من ينقش كلمة أو ينقل فقرة . يظن نفسه انه أضحي في زمرة وعصبة الباحثين والمثقفين.. سيسجل التاريخ ان السواد الاعظم من الشعب لم يتحمل مسئوليته عما جري واكتفي بالمتابعة دونما ادني محاولة من جانبة لايصال صوته . وعرض رأيه وتفعيل ارادته في مستقبله وقرر ترك تحديد مصير الأمة لأصوات عالية. صاخبة لا تمثل سوي أقلية في سابقة لم تحدث لدولة في التاريخ الحديث.. سيسجل التاريخ ان غالبية الشعب ظلت شاهدة علي ضياع وطن وانهيار بلد.. ظلت علي صمتها المخذي عاجزة عن فعل اي شيء.. واخيراً سيسجل التاريخ ان مصر كانت هي الخاسر الاكبر... ويالها من وصمة لن يغفرها التاريخ لنا. أرجو ان اكون مخطئا.. بل أرجو مخلصاً ! حفظ الله مصر من كل سوء.