مع اقتراب الانتخابات التشريعية، يثور السؤال؛ هل يمكن ان تقدم مصر تجربة تحول ديمقراطي يحتذي بها؟، اعتقد ان الوصول لهذه النتيجة هو أمر ممكن، لكنه يتوقف علي مدي مرونة الاحزاب السياسية في التلاقي حول الاجندة الوطنية للاصلاح السياسي والتحول الاقتصادي، فهذه المسألة وان كانت حرجة في البدايات الأولي للثورة، فانها في الوقت الراهن تعد أمر أولوية وضرورة، حيث إن استمرار النضال السلمي واستقرار العمل السياسي يتطلب تقاربا في الرؤية تجاه الاستقرار والمصلحة الوطنية. ولعل عامل الوقت والقيود الدستورية شكلت جانبا اساسيا من نقص الحوار حول قانون الانتخابات، غير ان استيفاء المراجعة الدستورية للقانون يضفي المشروعية عليه، ويقلل من حدة الاختلاف حوله، فقد جاءت آراء المحكمة الدستورية وتعديلاتها علي قانون الانتخابات، ليس فقط تعديلا لعدد من المواد في القانون ولكنها تعبر عن ممارسة دستورية وإعمال لدولة القانون. ورغم ان تطبيقات الدستور لا تزال في البدايات الاولي، إلا أنها كشفت عن تطلع كل المؤسسات لاحترام الدستور رغم القيود والصعوبات التي تكتنف المرحلة الانتقالية. فانه يقدر للمحكمة الدستورية حسن الادراك للتحديات التي تواجه الدولة ، واصدار رأيها أو أحكامها فيما يتعلق بقانون الانتخابات قبل انتهاء المدة الدستورية للاعلان عن البدء باجراءات الانتخابات التشريعية وهي المهلة التي انتهت في 22 فبراير، فلم تتمسك المحكمة بأجل ال 45 يوما. وبشكل عام، تشير التجارب الانتقالية في العديد من البلدان إلي أن زيادة مستوي المشاركة السياسية للأحزاب والأفراد وايضا الحركات الاجتماعية ساهمت في توفير مظلة أمان للانتقال السياسي، وبجانب تجربة أوربا الشرقية، لا يقل مستوي المشاركة في مصر في الانتخابات الماضية أهمية في تحفيز الاستمرار في النقاش حول المستقبل الديمقراطي واستكمال بناء مؤسسات الدولة، فبينما تتراجع مستويات المشاركة في الدول العريقة في الديمقراطية، وأيضا في الدول التي تشهد انتقالا سياسيا منذ سنوات، فان المناخ السياسي في مصر، رغم الكثير من الصعوبات، سوف يساعد علي توفير البيئة الملائمة والممهدة لبناء نظام ديمقراطي. وخلال الأيام الماضية، ومع صدور قانون الانتخابات، ظهر نوعان من ردود الفعل ، دار النقاش في النوع الأول حول أهمية استمرار العملية السياسية رغم التحديات التي تواجه الدولة والمجتمع، وهذا الاتجاه ينطلق من أرضية ، أن الاستناد إلي القانون سوف يساعد في النهاية للوصول لدولة القانون وأنه من الممكن تحسين وتطوير الممارسة السياسية مع مرور الوقت. غير أن النوع الثاني، ذهب إلي أن عيوب قانون الانتخابات لم تعالج بشكل كامل، ومن ثم أعلن عن وجود اتجاه للتفكير في مقاطعة الانتخابات، فيما ذهب آخرون للتهديد بالطعن دستوريا علي قانون الانتخابات، وبشكل عام، تعبر هذه الممارسات عن نوع من المشاركة السياسية، بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق معه، فالأحزاب السياسية أمام حالة تاريخية سوف تساعد علي إنضاج الممارسة السياسية خلال السنوات القادمة، بما يوفر شروطا مناسبة لمضي المسار الديمقراطي والنمو المؤسسي للأحزاب. وتشير كثير من التجارب أن استمرار المقاطعة لم يؤد لتحسين الاوضاع السياسية، بل إنها ساهمت في زيادة التوتر السياسي وتأرجح الدولة والمجتمع ما بين الديمقراطية والفلتان، كما في ذات الوقت لم يساهم في تحقيق مصلحة المقاطعين للانتخابات من الاحزاب ، فالمقاطعة في حد ذاتها، وان كانت حقا سياسيا في اختيار وسيلة التعبير عن الموقف السياسي، فانها في ذات الوقت سعي للعزلة عن صياغة القوانين ونظام الدولة. ومن ثم، يساهم تراجع بعض الأحزاب عن مقاطعة الانتخابات والقبول بخوض المنافسة، في ترسيخ تجرية التحول الديمقراطي ودعم الدور السياسي لمؤسسات الدولة ، ويثبت أنه رغم الاختلاف السياسي بين الأحزاب، فإنه يوجد من القواسم المشتركة ما يعين علي استكمال مؤسسات الدولة ووضعها علي مسار التحول الديمقراطي.