تمر السنين وما زالت الذكريات محفورة في نفسي لكن لا يتذكرها أبناء مصر للأسف، وأبدأ بحرب 56 بعدما شاركت في تأميم قناة السويس وبسببها قام العدوان الثلاثي بتحريض من إسرائيل ومشاركة فيه بريطانيا وفرنسا كل له دوافعه. صدرت التعليمات للإدارة الجديدة بالانسحاب مع بقاء بعض المتطوعين ممثلين للإدارة الجديدة لمقابلة الغزاة عند وصولهم. وكان لي الشرف أن أكون من المجموعة التي بقيت في الإسماعيلية وعلي رأسها الاميرالاي (العميد) فؤاد بكر والبكباشي (المقدم) مشهور والصاغ (الرائد) شرطة احمد فؤاد (جميعهم يرحمهم الله) وكنت أنا اليوزباشي (النقيب) بحري وانتظرنا هجوم الإنجليز والفرنسيين بعد احتلالهم لبورسعيد ولكنهم توقفوا عند الكاب جنوب بورسعيد بعد الإنذارين الامريكي (ايزنهاور) ثم السوفيتي (بولجانين). ما زلت اتذكر عندما صدرت لنا التعليمات لإخلاء بحارة 8 سفن محتجزة بين القنطرة والبلاح وكان ذلك بتعليمات من عضو مجلس قيادة الثورة المسئول عن الدفاع عن الإسماعيلية كمال الدين حسين وكان صلاح سالم مسئولا عن السويس. هذا وكان سبق لي الحديث في هذا الموضوع باستفاضة حيث ان ذلك كان يوم الهجوم علي بورسعيد وشرحت ذلك في مقالة بعنوان " وهاجمتنا الطائرات عند البلاح " عدد الأخبار بتاريخ 9/5/0102 وانتهت هذه المعركة بانسحاب القوات الغازية بعد أن كان قد تم إغراق حوالي 48 وحدة بحرية ونسف كثير من منشآت الهيئة، وقامت الأممالمتحدة بالمساعدة في إعادة الملاحة وكان لي الشرف بان أكون ضابط اتصال بينها وبين هيئة قناة السويس وهذا موضوع كبير آخر. ننتقل بعد ذلك الي الحرب النكبة (67 ) وليست النكسة كما اطلق عليها، كنا قبلها فخورين بقواتنا المسلحة مشحونين بان إسرائيل لن تأخذ منا " نفخة "!! وقرر القائد عبد الناصر انه لن يكون البادئ في هذه الحرب بعد ان أعلن قرار سحب قوات الأممالمتحدة الفاصلة بيننا وبين القوات الإسرائيلية بالإضافة الي إغلاق مدخل خليج العقبة، فانتهزت إسرائيل هذه الفرصة التي لا تعوض لضرب قواتنا الناشئة التسليح من تشيكوسلوفاكيا والتي كانت موزعة بين مصر واليمن (30٪ من قواتنا كانت باليمن)!! كنت في الإسماعيلية وشاهدت طائرات الميراج الإسرائيلية وهي تمر فوق رؤوسنا تتجه لضرب مطاري كبريت وأبوصوير وذهبت مع آخرين لإصلاح مطار أبوصوير بناء علي التعليمات التليفونية من عبد الحكيم عامر لمشهور، وعندما شاهدت ما حدث بالمطار تصورت حجم الكارثة التي حلت بمصر. وفي خلال هذه الأيام قابلت زملاء لي سابقين بالقوات المسلحة وهم متجهون الي سيناء وكذلك عند انسحابهم منها!! وقصوا علي القصص المفجعة التي شاهدوها فقد كانت مؤامرة بمعني الكلمة وبسهولة شديدة انجرفنا اليها، وقد سبق لي الحديث عنها في العديد من المقالات بالرغم من ذلك. أود هنا ان أشير الي عدة أعمال بطولية لقواتنا، فعندما انسحبت قواتنا من سيناء انسحابا عشوائيا، قامت قوات من الصاعقة بالتمركز في محطات قناة السويس والواقعة في الغرب وعلي طول القناة وهي لمراقبة حركة السفن وتفصل بين كل منها مسافات حوالي 14 كم، وكانت لها ميزة الاتصال التليفوني بطول الجبهة، وصدرت التعليمات للعاملين بالمحطة بملازمة رجال القوات المسلحة لمساعدتهم في وسائل الاتصال. وحدثت معركة راس العش وكانت في الضفة الشرقية للقناة وذلك بعد حوالي أسابيع قليلة من بدء الحرب واستطاعت فصيلة من رجال الصاعقة ايقاف طابور مدرع إسرائيلي ومنعه من احتلال مدينة بورفؤاد وكبدته خسائر فادحة. وفي اليوم التالي اقترحت علي المهندس مشهور ان نقوم بتقديم الهدايا لرجال قناة السويس الصامدين في هذه المحطات فتوجهت محملا بالهدايا شمالا في سيارة نصر 1100 ومعي مندوب العلاقات العامة المرحوم محمد عبده وعند القنطرة ظهرت لي اثار المعركة واضحة في تواجد بعض المدرعات المصرية محترقة اما في الضفة الشرقية فقد رأينا اعلام اسرائيل ترفرف ودباباتهم توجه مدافعها نحو الغرب وجنودهم واضعين أياديهم في وسطهم!! وشعرت شعورا مؤلما بالمهانة يصاحبه شئ من الخوف، حيث لاحظت ان المعركة لم تكن قد انتهت بعد، وتأكد لي ذلك عند وصولنا لراس العش اذ طلب مني النقيب قائد الفصيلة المتواجدة غربا ان ارجع فورا. تبع ذلك سلسلة أعمال بطولية رائعة أعادت لأفراد قواتنا المسلحة وجهها المشرف. وفي خلال حرب الاستنزاف رأي المهندس مشهور أن أتولي المدير التنفيذي لترسانة بورسعيد وهنا لا أكرر ما قامت به هذه الترسانة الضخمة والمتواجدة في بورفؤاد علي خط النيران في خدمة القوات المسلحة. اذكر في خلال حفل افطار رمضاني أقامه المشير طنطاوي لقادة القوات المسلحة القدامي منذ أربع سنوات وكنت جالسا علي مائدة كان معنا مساعد أول وزير الدفاع اللواء سامح صادق ،وقال لي انه قد سبق أن شاهدني، فأخبرته أن ذلك قد يكون عندما كنت اعمل مديرا تنفيذيا لترسانة بورسعيد اثناء حرب الاستنزاف وهنا فوجئت بقيامه مصافحا لي بشدة واخبرني انه يتذكرني جيدا عندما كان ضابطا في قطاع بورسعيد اثناء هذه الحرب، وذكر للحاضرين بحماس ما قامت به هذه الترسانة لخدمة القوات المسلحة. في رأيي أن هذا هو اقل ما يجب ان تقوم به هذه الترسانة الضخمة في مثل هذه الظروف. انتقلت بعد ذلك لأكون رئيسا لشركة التمساح لبناء السفن وهنا أود أن اذكر بعض الأعمال وليس كلها والتي قامت بها هذه الشركة لخدمة قواتنا المسلحة والبحرية. قمنا ببناء معظم كباري العبور الثقيلة التي استخدمها سلاح المهندسين. احضر لنا احد ضباط سلاح المهندسين كتابا بسيطا واصفا لوحدة من كوبري اقتحام سريع لم يكن الاتحاد السوفيتي يسمح بتوريده كونه كوبري هجومي، فقمنا بإعادة تصميمه وبناء وحدة من وحداته حيث كان يتم إسقاطه من فوق شاحنة ليتم فتحه اتوماتيكيا عند اصطدامه بالمياه، وهكذا يتم بناء كوبري كامل سريع. تمت تجربة هذه الوحدة المصنعة محليا أمام المندوبين السوفيت مما أحرجهم وبذلك تم توريد عدد 3 كباري من هذا النوع! قمنا بعمل كوبري اقتحام للسد الترابي بخط بارليف، يعمل هذا الكوبري بالكهرباء وهيدروليكيا مدفوعا بإحدي الدبابات وليمر فوق الكوبري المقام علي القناة وعند اصطدامه بالساتر الترابي فانه يرتفع لأعلي الساتر وهنا تستطيع الدبابة ان تمر من فوقه تتبعها باقي الدبابات وتمت تجربة هذا الكوبري في سبتمبر 73 وبعدها سألني المشير احمد إسماعيل : متي يمكنكم الانتهاء من بناء 13 كوبري مماثل؟ فأجبته أننا نحتاج علي الأقل 10 شهور. كان ذلك لمعرفة الأسلوب الأصح لاقتحام الساتر الترابي ( كان الحل المثالي هو استعمال طلمبات المياه ذات الضغط العالي، وهو ما تم) اذكر عند مقابلتي الفريق الشاذلي بهذا الخصوص بصحبة المرحوم اللواء جمال محمد علي مدير سلاح المهندسين انه قال لي -شارحا لي أهمية ما نقوم بعمله - أننا نتوقع أن يصل عدد شهدائنا عند العبور إلي مالا يقل عن عشرين ألفا! ولكن خسائرنا في العبور لم تزد عن 2٪ فقط لا غير كان منهم ابن دفعتي الشهيد الفريق مهندس حمدي وذلك بفضل الله.