من الطبيعي أن يرفض نوري المالكي رئيس وزراء العراق المنتهية ولايته دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله إلي مؤتمر القوي السياسية العراقية للتحاور والتشاور فيما بينهم -وفي رحاب الاراضي المقدسة- من أجل انهاء أزمة تشكيل الحكومة الجديدة المتعثرة. لم يكن من السهل ان يقبل المالكي هذه الدعوة دون أن يحصل علي اذن من ملالي طهران الذين كانوا وراء الاصرار -بالتدخل بالتهديد والوعيد والإرهاب - من أجل فرضه رئيسا لوزراء هذا البلد العربي رغم ان كتلته لم تحصل علي أعلي الأصوات في البرلمان الجديد. في اعتقادي ان المالكي ما كان يمكن له أن يرفض هذه الدعوة لو أن طهران اعطته ضوءا اخضرا بقبولها.. ولكن الواضح انه اراد ان يكون ملكا اكثر من الملكيين بالاعتذار عن التوجه إلي السعودية لارضاء دولة الملالي حتي ودون ان تشير له بالذهاب أو عدم الذهاب. وكما يقولون فان المريب يكاد ان يقول خذوني . لقد قرر ان يأخذها من قصيرها ويرفض الدعوة خشية إغضاب ايران باعتبارها المساندة له. المضحك أن المالكي يزعم انه لا يريد الذهاب الي المؤتمر الذي دعت اليه السعودية تجنبا للتدخل في شئون العراق. لماذا لم يساوره هذا الشعور عندما ذهب الي إيران مرتين بناء علي استدعاء الملالي . ان الشيء الذي يدعو الي السخرية أن ما يحدث يتم علي مشهد وعلم الاحتلال الامريكي الذي فتح الابواب لهذا العميل الإيراني ليعتلي السلطة مما يعد امرا يدعو إلي الدهشة. المبرر الوحيد لهذا الموقف هو ان هناك توافقا امريكيا ايرانيا علي اختيار المالكي رغم ان الامريكيين مازلوا يحتلون العراق بقواتهم التي تفوق اعدادها حتي الآن المائة الف جندي. لا تفسير لهذا الذي يحدث ويتسم بالغرابة الشديدة علي ضوء الصدام الواقع بين طهران وواشنطن فيما يتعلق بالملف النووي سوي ان الادارة الامريكية أما انها لا تريد إغضاب الايرانيين خوفا ان ينعكس ذلك في شكل عمليات انتحارية ومقاومة ضد القوات الامريكية بالعراق يقوم بها عملاء ايران وميلشياتهم.. وأما انها سعيدة ومرتاحة تماما لهذه الاوضاع المضطربة وغير المستقرة في العراق والتي تمتد آثارها إلي دول الخليج وكل المنطقة العربية. اذا لم يكن أي من الاحتمالين صحيحا فمن اين للمالكي بهذه القوة التي تفرضه رئيسا للوزراء وكذلك القدرة علي وقف كل محاولات تشكيل حكومة عراقية دون رئاسته. المؤكد ان استمرار هذه الحالة من القلق داخل العراق يُصعد من زعزعة الامن وهو وضع تجده ايران في صالحها باعتبار ان استقرار العراق يتيح له استعادة قوته وتأثيره الاقليمي في نفس الوقت الذي تري أمريكا أن في ذلك ازدياد في الفائدة الناجمة عن الشعور بالخطر وهو ما يجعله - أي العراق - في حاجة الي الحماية الامريكية. في هذا الاطار فان اي محايد يراقب التطورات علي الساحة العراقية لابد أن يبدي عدم رضائه عن تلك الشعارات الصادرة عن كل العواصم العربية والتي تتحدث عن الوقوف علي مسافة متساوية بين كل القوي السياسية العراقية. انهم وفي الوقت الذي يتفاخرون بالتزامهم بمضمون هذه الشعارات نجد دولة مثل ايران والتي لا علاقة لها ولا تنتمي للجماعة العربية ولا تخفي في نفس الوقت اطماعها وسعيها الي السيطرة والهيمنة علي كل المنطقة العربية تعمل بكل الوسائل من أجل تأكيد وجودها ونفوذها علي العراق والعراقيين ان ما تتخذه من مواقف علي أرض الواقع هو عكس تماما لتلك الشعارات العربية الخائبة المعلنة. ان ما اقوله ليس دعوة للصدام مع ايران التي لا تريد ان تنسي درس حرب صدام حسين معها والتي استمرت ثماني سنوات من الاهوال. علي الاقل فقد كنت أتوقع ان يكون العرب اكثر حرصا علي عروبة العراق وعدم افساح الطريق بهذه الطريقة المهينة للتسلط الايراني علي مقدرات هذا البلد العربي بما يمثله من خطر علي الصالح القومي العربي. لا جدال ان ما يجري علي أرض العراق هو مأساة عربية بكل المقاييس.. ولابد أن نعترف بأن كل ما تشهده الخليج وكل المنطقة العربية حاليا هو في الأول والآخر من صنع العبث الاستعماري الامريكي الصهيوني. جلال دويدار [email protected]