مصطفى عبدالله ليس أمامي في إطلالة هذا الأسبوع سوي التحليق؛ فالأحداث تتري.. وكلها ذات أهمية، وتستأهل إطلاع القارئ علي تفاصيلها بدءاً من مكالمة المستشارة الثقافية الإسبانية الجديدة مونتسارات مومان، صباح الخميس الماضي، لإبلاغي بضرورة التوجه في السابعة والنصف مساءً إلي مقر إقامة السفير الإسباني فيدل سينداجورتا لشهود وقائع تقليد وسام الاستحقاق من الملك خوان كارلوس لاثنين من الأكاديميين المصريين اللذين شغلا منصب مدير المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد: الدكتور محمد أبوالعطا، والدكتور سليمان العطار وهو حدث لم تشهده مصر منذ سنوات طوال، وقد أثلج صدور عشرات السيدات المشتغلات بتدريس الإسبانية في جامعاتنا ممن شهدوا معي هذا الحدث. مروراً بلقاء المستشار الثقافي الصيني في مصر، مساء الأربعاء الماضي، بالمقر الجديد لدار العين لتدشين الترجمة العربية لرواية "الحلم والأوباش" لصاحب نوبل 2012 مو يان التي أنجزها الدكتور محسن فرجاني أشهر وأدق مترجم عن الصينية. وصولاً إلي حدث ثقافي عربي لايقل أهمية عن سابقيه، ألا وهو حضور أسرة الشاعر السعودي حسن عبدالله القرشي إلي القاهرة لإحياء ذكراه السنوية وسط مثقفي مصر الذين شهدوا تجليات موهبته الشعرية في مجمع الخالدين وغيره من المنابر، ولإطلاق الأسرة للجائزة التي تحمل اسمه من هنا من قاهرة المعز لاكتشاف المواهب الشابة في الساحة الشعرية ورعايتها . وهذا الأمر يجعلني أتوقف أمام قيمة الوفاء المتمثلة في اهتمام ورثة المبدعين بذويهم، وحرصهم علي إحياء ذكراهم بإعادة طبع مؤلفاتهم، ومواصلة الأدوار التي قاموا بها في حياتهم، فضلاً عن مشاعر هذه الأسرة نحو مصر التي عشقها القرشي وأنشد فيها الكثير من قصائده. ولعل هذا هو ما جعل الزميل محمد رضوان يصدر كتابًا عنه بعنوان" القرشي.. شاعر بحيرة العطش" ضم بين دفتيه آراء العديد من كبار الأدباء والنقاد، في مقدمتهم الزيات.. صاحب "الرسالة"، الشاعر السوري سليمان العيسي، الأديبة اللبنانية غادة السمان، الشاعران الفلسطينيان فدوي طوقان، وسميح القاسم، فضلاً عن الشاعرين المصريين فاروق شوشة، والدكتور حسن فتح الباب. ويوثق الكتاب شهادة فدوي طوقان حول إبداع القرشي عندما تقول:" طوفت كثيرًا بفضاءات قصائدك الموحية، وأنعشني ما بعثته في نفسي من أصداء مشحونة بصدق الإحساس وروعة الشعر الحي الصادق. وإذا كان الشعر هو صانع وجدان الأمة، فبمثل شعرك ذي الروح العربية الخالصة يرتفع الكبرياء، وتعلو الهمم، ويشمخ البناء النفسي في أبناء الأمة". في حين يري أحمد حسن الزيات أن في شعر القرشي نفحات من الحجاز، ولمحات من قريش، ونغمات من ابن أبي ربيعة، وإن في هذا كله لدليل علي أن مشارق النور لا تزال تهدي ومنازل الوحي لا تزال تلهم. لكن غادة السمان تتجه وجهة أخري عندما تقول" القرشي الشاعر آتٍ من الصحراء، حاملا إلينا البحر، لا السراب، آتٍ من مسقط رءوس أجدادنا، ومسقط قلوبنا في الجزيرة العربية، القرشي ابن مكةالمكرمة يتابع حمل المشعل العربي القديم المضيء، في كلمته ضراوة الدورة الدموية لحضارة الأجداد، وطراوتها، استطاع أن يصالح "الفراهيدي" مع دفء القلب ونبض الحديث.. شاعر رائع نحبه" . وعنه يقول الشاعر سميح القاسم:"من عبق الصحراء الحار يأخذ أخي وصديقي، صنّاجة شبه جزيرة العرب، الشاعر حسن عبدالله القرشي، أفقًا لمفرداته الفريدات، ومدي لوجدانه العربي الأصيل، ويذهب في واحات الضاد، مفعمًا بوهج الشعر، باحثًا عن واحات الروح، وها هو ذا يعبر أفق أجدادنا الأوائل بجناحين من صدق الشعور، ومصداقية الفن الشعري الرصين ليحيينا بمطالعه المشرقة، ولنرد التحية بما أوتينا من قلوب: هلا بك" . ويشيد الشاعر فاروق شوشة بليلي.. ابنة القرشي البارة وهو يقول" نجحت ابنة الشاعر المحتفي بذكراه، وأسرته الكريمة، في أن تجعل من مناسبة الذكري إضافة جديدة تتيح لنا إطلالة علي لؤلؤة من لآلئه. فاليوم نلتقي وبين أيدينا ديوان جديد من دواوينه (رباعيات)، فنحس أن روحه تطل علينا من الملأ الأعلي وهي سعيدة بأن يضاف إلي حبات عقده ديوان جديد، لافتًا إلي أن أوراق القرشي تضم في ثناياها الجديد الذي ينتظر أن يكشف عنه.