حين أمسك به المارة بالطريق كان جسده الصغير يرتعش والخوف والإنزعاج بادياً في عينيه.. تركته وعدت إلي سيارتي وتساءلت.. لماذا فعل الصبي مافعل.. ماذا يريد من سيدة أكبر من عمر والدته..؟!! مد يده الصغيرة من نافذة السيارة المفتوح بجانبي حين وقفت بإشارة المرور.. محاولاً الإمساك بصدري.. وليجري مسرعاً بين السيارات الواقفة.. كنت أسرع منه حين أغلقت النافذة علي يده الصغيرة وفتحت الباب.. تركت سيارتي في منتصف الشارع لأعدو مسرعة خلفه للإمساك به.. كنت منزعجة يدور بذهني تساؤلات شتي.. ماذا يريد صبي صغير من سيدة في مثل سني أكبر من عمر والدته.. محتشمة ..فلم أكن عارية.. أرتدي بلوفر وجاكيت بأكمام واسعة وألتحف بكوفية تلتف حول رقبتي.. ماذا يريد هذا الصبي الذي لا يتعدي عمره التاسعة أو العاشرة من عمره..!!.. حين أمسك به المارة بالطريق كان جسده الصغير يرتعش والخوف والإنزعاج بادياً في عينيه.. تركته وعدت إلي سيارتي.. ومازالت التساؤلات نفسها تدور بذهني.. لماذا فعل الصبي مافعل.. ماذا يريد من سيدة أكبر من عمر والدته.. ماذا كان يدور بذهنه.. إلي أي طبقة ينتمي.. هل يتعلم بالمدارس.. هل يقطن مع أسرته.. أم هو من أطفال الشوارع.. ؟!!.. تلك الظاهرة التي استفحلت في الشارع المصري ولم يتم معالجتها.. لقد صدع المجلس القومي للطفولة والأمومة رؤوسنا لسنوات طويلة برئاسة حرم المخلوع بقضايا أطفال الشوارع والتحرش الجنسي والتسرب من التعليم.. عقدت خلالها عشرات المؤتمرات المحلية والدولية التي كلفت الدولة ملايين الجنيهات من دم الشعب المصري.. ونوقشت المئات من الأبحاث والدراسات وامتلأت الصحف ووسائل الأعلام بالنتائج المبهرة والإحصائيات التي تؤكد قرب القضاء علي هذه الظواهر..! وذهب المخلوع وتعاقبت الحكومات بعد ثورة 25 يناير حتي تمت الانتخابات الرئاسية واستقرت الحكومة الجديدة ولنكتشف أن الظاهرة مازالت مستفحلة وتشتد وطأة بالشارع المصري وازداد عليها التحرش المتعمد بالنساء..! والحكومة صامتة..ومازال المجلس القومي للطفولة والأمومة مستمراً لا أدري ماذا يفعل..؟.. وجاء الدستور الجديد الذي انتظرناه طويلاً بعد ثورة رائعة مر عليها عامان ليزداد الأمر سوءاً.. أقرأ المادة 67 من الدستور الجديد لأجدها تهدد أحلام الأطفال بعد الثورة وتقضي علي حقوقهم في التعلم والإبداع والبحث العلمي بالاضافة الي عدم النص علي حماية الطفل من الاذي الجسدي والجنسي، وهو ما يؤدي إلي تفاقم مشكلة اطفال الشارع ناهيك عن حقوق المرأة وحصيلة رحلة كفاحها لعهود طويلة والتي ظهرت توجهات من بعض القوي الظلامية تحاول أن تهمش دورها انطلاقاً من ثقافات ذكورية عفا عليها الزمن ولا تجد سنداً لها من صحيح الدين ولأتأكد أننا نضع آخر ماتبقي من رصاصات الرحمة في قلوب وعقول أطفالنا وأترحم علي أيام ولت كانت المدرسة والبيت يشتركان ليس في تعليم وتربية الطفل فقط بل في اكتشاف المواهب الكامنة في أطفالنا وتنميتها ويساهمان في تربيتهم علمياً وأخلاقياً.. وقت لم يكن فيه المجلس القومي للطفولة والأمومة قد أنشئ بعد ولم تكن الجمعيات الخاصة بالطفل المصري موجودة بهذه الكثرة في الساحة المصرية.. تري لمن أوجه اللوم.. لهم أم للبيت أم للمدرسة أم لمنظومة متكاملة مهترئة شارك الجميع فيها بالصمت لعهود طويلة..وهل ضاعت حقوق الطفل المصري في الدستور الجديد..؟!.. لقد قال لي الكثير من خبراء التعليم وأساتذة الجامعات أن الدستور الجديد جاءت به مواد تؤدي لتدهور التعليم، كما أنه لم يتم النص بوضوح علي كفالة حقوق الطفل لتوفير الحماية الدستورية للأطفال باعتبارهم الأولي والأحق بالرعاية، إن واضعي مواد الدستورلم يكتفوا بوضع المرأة تحت بند العورات.. وانضم إليها الأطفال بعد أن أصبح من الممكن أن تتزوج الفتاة وهي في التاسعة من عمرها..هل نقول وداعاً للطفولة..هل ضاعت حقوق نصف المجتمع..؟