لم تعرف مصر منذ قرون مثل هذا الدم، الدم جالب للدم، غير أن ما يدمي القلب حقاً أن معظم نزيفه يجيء من خيرة وأنجب أبناء هذا الوطن، تصدر أوامر قتلهم من بارونات القتل، منهم الدكتور والمهندس والمجبر، تطالعني ملامح الشباب الذي بدأ رصده وتصيده من صفحات الفيس بوك، أولئك الذين يمكن أن يقودوا الوطن بنبوغهم إلي الأفضل، لكن أنصال الإرهاب ورصاصات الغدر لهم بالمرصاد، تطاردني ملامح عديدة بدءاً من خالد سعيد الذي فجر اغتياله غضب أمة، وثورة نقية السيرة والقصد، حتي محمد الجندي بهدوئه وابتسامته وعلامة النصر التي ترسم لنا الطريق، شاب في مقتبل العشرينات، يتقن لغات ثلاث، يوصف بأنه بلطجي، ويجري التآمر علي اغتياله بدءاً من وزير العدل إلي قيادات الأمن مروراً بالطب الشرعي وغير الشرعي، تطالعني ملامح الشيخ عماد عفت، شاركت في عزائه وندمت كثيراً أنني لم أتعرف عليه، يتساقط أفضل شباب مصر بالعشرات، الدم، الدم، والمقاومة تحتد، مقاومة هائمة لأنها بلا قيادة، لا يوجد شخص واحد في مصر علي مستوي الشارع الآن، الأمل كل الأمل أن يخلق الشباب قادتهم بعد كل هذا الدم، آلمني استشهاد الصبي محمد بائع البطاطا، هذا صبي لم يعرف عمره، وُلد شقياً، هرماً، في السنوات التي يلهو فيها أقرانه ينزل هو إلي الشارع ليسعي وراء رزقه في أماكن الخطر، كم سيحصل يومياً لو أنه باع كل كيزان البطاطا؟ كم؟ هل عرف محمد لحظة سعادة في هذا العمر المبكر؟، يؤلمني أكثر أن مصدر النيران من أحد أفراد الجيش، الجيش اعتذر وهذا موقف نبيل، لكن محمد الذي كان قدره الشقاء والكد لن يعود حياً بالاعتذار، القصاص واجب من الجندي المهمل الذي سدد إلي البراءة المعذبة طلقتين، لكن الأخطر هو من زرع مناخ القتل في شوارعنا التي كانت آمنة، مصر لم تعد الآن آمنة، الموت منفلت، الموت يجيء ممن يفترض أنهم ممسكون بالأمور، إلي من نتوجه والقاتل محدق بنا في الشوارع من مواقع الحراسة؟، العثور علي شاب مذبوح في القمامة أصبح خبراً عادياً، أعرف أن الواقع صعب، وأن القادم أهول وأصعب، وأن الدم يتدفق كما لم تعرفه مصر المعذبة الآن، شبابها مستهدف، أروع ما فيهم وأنقاهم، اللامعقول سيد الموقف، القتلة يرفعون شعارات اللاعنف، كبير الموظفين يعد بالرصاص الحي، بالدم، الدم، أين كان ينتظرنا هذا كله في ثنايا التاريخ؟