أخشي أن يأتي يوم يكتب فيه التاريخ أنه حتي أوائل القرن الحادي والعشرين كانت هناك في شمال شرق أفريقيا دولة تسمي مصر.. قامت علي حضارة عمرها أكثر من سبعة آلاف سنة.. صدت الغزاة وقاومت الاستعمار لكنها إنهارت بأيدي أبنائها بعدما فشلوا في ممارسة الديمقراطية وانقسموا شيعا وأحزبا.. مزقهم الصراع علي السلطة فلم يفرقوا بين الحرية والفوضي أو المغالبة والمشاركة واختفي صوت العقل وعلا صوت الرصاص فتوقفت حركة السياحة والاستثمار وغرقت مصر في الديون حتي أفلست واختفت من خريطة العالم. هذه للأسف ليست نظرة تشاؤمية.. لكنها نظرة الخائف علي مصر مما سيؤول إليه مصيرها إذا ما استمرت الأحوال الراهنة علي ما هي عليه.. كل شئ يسير من سيئ إلي أسوأ حتي بات الناس لا يفهمون شيئا مما يجري حولهم ولا يعرفون من يطلق الرصاص علي من؟ من يريد لهذا البلد الخراب والدمار بهذا الشكل؟ بعد مرور عامين علي ثورة 52 يناير كان المفروض أن نحتفل بأنها حققت أهدافها ونحصي إنجازاتها بدلا من أن نحصي عدد الجنازات التي شيعنا فيها المئات الذين لقوا حتفهم في المظاهرات وأعمال العنف والبلطجة أو حوادث القطارات والطرق وانهيار العمارات. كان المفروض أن يكون لدينا الآن دستور توافقنا عليه يعبر عن كل المصريين وبرلمان قوي يمثل كل فئات الشعب وتجد فيه كل الأحزاب والقوي السياسية مكانا لها وحكومة وحدة وطنية أعضاؤها من أهل الخبرة لا أهل الثقة.. حكومة تعيد بناء مصر وتضمن لشعبها والأجيال القادمة مستقبلا أفضل.. لكن المفروض شئ وما حدث شئ آخر.. أخطاء متتالية منذ قيام الثورة حتي الآن.. من المجلس العسكري ثم من رئيس الجمهورية والحكومة والأحزاب والقوي السياسية والاعلام.. لم ينج أحد من الوقوع في الخطأ.. كلنا مسئولون عما وصلنا إليه حتي استعصت المشكلة علي الحل وراحت تتفاقم يوما بعد يوم. منذ شهور كتبت اتساءل ألا يوجد عقلاء في هذا البلد؟.. مازال السؤال بلا اجابة واليوم أعيد طرحه.. ألا يوجد من أهل الحكمة من الشخصيات العامة والمستقلة من يستطيع تقريب وجهات النظر بين الفرقاء وتذليل العقبات أمام الوصول إلي توافق وطني؟ بدون التوافق لن تقوم لهذا البلد قائمة.. إما التوافق أو الانهيار ؟ عاشت مصر أياما عصيبة طوال هذا الاسبوع فشلت فيها الرئاسة والحكومة والمعارضة في إدارة الأزمة.. ما حدث في بورسعيد كان متوقعا قبل صدور الحكم في قضية مذبحة الاستاد وكان نزول الجيش لتأمين سجن بورسعيد والمنشآت العامة ضروريا قبل صدور الحكم وليس بعد سقوط 23 قتيلا.. فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال في مدن القناة ربما يراه البعض ضروريا لاستعادة الأمن والاستقرار لكن ما النتيجة والقرار لم ينفذ ويتحداه الأهالي كل يوم بمظاهرات ضخمة في مواعيد حظر التجوال؟ في القاهرة وفي محيط ميدان التحرير عجزت الشرطة عن تأمين حركة المرور علي كوبري أكتوبر وكوبري قصر النيل فكيف يطمئن الشعب إلي قدرتها علي استعادة الأمن والاستقرار في ربوع مصر ؟. تحدي حظر التجوال في مدن القناة وتعطيل حركة المرور علي الكباري والطرق الرئيسية ليس له إلا معني واحد أن هيبة الدولة قد سقطت وهذا أخطر ما في الأمر لأنه إذا سقطت هيبة الدولة عمت الفوضي وانهار كل شئ. لا أحد بالقطع يقبل بالعنف أو تخريب المنشآت العامة.. لكن أن يقتصر النظر إلي أعمال العنف التي تشهدها أغلب المحافظات الآن علي أنها من تدبير الفلول والقوي الخارجية هذا خطأ لأنه ليس من المعقول أن يكون عشرات الآلاف من المتظاهرين الذين يخرجون يوميا في أغلب المدن يطالبون بتحقيق أهداف الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية من الفلول والمأجورين.. بعضهم ينتمي لهؤلاء بلاشك ويجب التصدي لهم بكل قوة.. لكن هناك أيضا الآلاف من الشباب المحبط بسبب البطالة والفقر يفرغون شحنة الغضب بداخلهم في أعمال عنف ضد المنشآت العامة التي تمثل من وجهة نظرهم الدولة التي تخلت عنهم علي مدي سنوات طويلة وليس بعد الثورة فقط وكان أملهم أن يجدوا في الثورة التي فجروها حلا لمشاكلهم.. أن يجدوا عملا ومسكنا ويضمنوا دخلا مناسبا لكنهم فوجئوا بأن الكل يتخلون عنهم ويتفرغون للصراع علي السلطة. أخيرا.. رغم تقديري للدعوة للحوار الوطني التي أطلقها مجدداً الرئيس مرسي إلا أنه لم يتوافر بها ما يشجع قوي المعارضة الرئيسية وأعني بها جبهة الانقاذ علي الاستجابة لها كتحديد القضايا التي سيدور حولها الحوار وتأكيد الالتزام المسبق بما سينتهي إليه.. في المقابل كان تشدد جبهة الانقاذ في رفض الحوار مبالغا فيه بوضعها شروطا مستحيلة التحقيق حينما طلبت من الرئيس اعلان مسئوليته السياسية عن الدم الذي يراق وإقالة النائب العام وتشكيل لجنة قانونية لتعديل الدستور قبل الدخول في الحوار.. هذه قضايا تناقش خلال الحوار ولا يمكن أن تكون شرطا مسبقا للموافقة علي المشاركة فيه. آخر كلام يا من شق البحر لموسي حتي خرج.. يا الله اخرج مصر وأهلها من الضيق إلي الفرج.