عبدالحافظ الصاوى مع مطلع العام الميلادي الجديد أعلن البنك المركزي المصري عن استخدام آلية جديدة لتحديد سعر الصرف وهي المزاد من خلال ما يطرحه علي البنوك بصفة يومية، وفجأة قفز سعر الدولار ليتجاوز 6.66 قرش للدولار في داخل أروقة الجهاز المصرفي وفي شركات الصرافة. ولكن توجد أسعار أخري للدولار في السوق السوداء، حيث وصل سعر الدولار لنحو 7.25 جنيه، ويسعي المستوردون لشرائه لتخليص صفقاتهم أو الوفاء بالتزامات سابقة بعقود توريد، وقد تناولت وسائل الإعلام المختلفة شكاوي المستوردين أو طالبي الدولار بشكل عام من أن البنوك تمتنع عن بيع الدولار، وإن كان الجهاز المصرفي قد نفي هذا الأمر ولكن القضية لم تتوقف عند هذا الحد من وجود زيادة في سعر صرف الدولار، وما يترتب عليه من زيادة في فاتورة الواردات بشكل كبير، وبخاصة أن وارداتنا في تزايد مستمر، حتي تجاوزت 54 مليار دولار في العام المالي 1102/2102. كما أن جهازنا الإنتاجي عودنا علي عدم مرونته للاستفادة من تخفيض قيمة الجنيه، ليستغل الفرصة ويزيد من الصادرات المصرية. فالجديد هو أننا نعمل في جزر منعزلة، ففور الإعلان عن وجود زيادة في أسعار الدولار، تعامل التجار بصورة سلبية، فرفعوا الأسعار دون مبرر، فما لديهم من مخزون سلعي تم شراؤه وفق أسعار منخفضة، كما أن الأسعار الجديدة للدولار تحتاج إلي شهرين أو ثلاثة علي الأقل لبدء دورة تجارية وفق الأسعار الجديدة. وهنا تبدأ مسئولية الأجهزة الرقابية من وزارة التموين عبر مباحث التموين، وجهاز حماية المستهلك، ولكن للأسف لم نجد من يقوم بدوره الرقابي ليحدث نوع من التوازن الحقيقي والمطلوب في السوق المصري. كما أن المجتمع المصري لايزال يفتقد واحدة من أهم صور الرقابة علي الأسواق وهي الرقابة الشعبية عبر منظمات المجتمع الأهلي، لتمثل ضغطًا علي التجار، ولتبين للمستهلك حالة الاستغلال والجشع، ولتدعو إلي مقاطعة هؤلاء التجار، أو تتخذ خطوة أفضل بتكوين تعاونيات استهلاكية وانتاجية تكون قادرة علي إرغام التجار علي البيع بالثمن العادل. أيضًا من الواجب أن يقوم البنك المركزي بتشديد رقابته علي شركات الصرافة، فالبعض يشير إلي أن شركات الصرافة أصبحت الباب الرئيس للتعامل في السوق السوداء، فبعض شركات الصرافة تشتري الدولار ولا تعطي البائع فاتورة وبذلك تخرج هذه الدولارات المشتراة بدون فاتورة عن رقابة البنك المركزي، ولذلك مطلوب من البنك المركزي تكثيف حملاته الرقابية علي شركات الصرافة. وعلي شركات الصرافة أن تعي أنها تمارس دوراً خطيراً حيث تضر بسوق الصرف بشكل خاص وبالاقتصاد المصري بشكل عام. الحكومة لا يجب أن تقف موقف المتفرج، ولكن عليها أن تلزم البنك المركزي بإصدار توجيهات بعدم السماح بتمويل كل الواردات، ولكن أن تقتصر عمليات التمويل بالدولار للواردات الخاصة بمستلزمات الإنتاج والعدد والآلات، أما أن يتم تمويل واردات السلع الاستفزازية، أو الاستهلاكية، أو أدوات التجميل، ولعب الأطفال، فهذا كله يحتاج إلي مراجعة، في ظل مشكلة سعر الصرف التي تمر بها مصر الآن. بقي دور الأفراد الذين تتاح لهم فرصة الحصول علي الدولار ويقومون ببيعه في السوق السوداء فرحين بفارق السعر الذي قد يصل لنحو 60 قرشا في الدولار الواحد، وهم يحسبون أنهم يربحون، وحقيقة الأمر أنهم سيدفعون ضعف هذه الأرباح من خلال مشترياتهم من السوق وارتفاع الأسعار علي باقي الخدمات، فالدخول في السوق السوداء للدولار يخلق طلبا غير حقيقي ويرفع من قيمة الدولار دون مبرر. وعلي الجميع أن يستحضر مسئوليته في هذه الظروف التي تمر بها، فالجميع مسئولون الحكومة والبنك المركزي وشركات الصرافة والتجار والأفراد. ولا يعفي طرف من مسئوليته بحجة أن الآخرين لم يقوموا بدورهم، فنحن جميعًا في مركب واحدة. وأظن أنه لو قامت الأطراف المشتركة في المسئولية تجاه سعر الصرف قامت بدورها كما ينبغي لهبط سعر الدولار بشكل ملحوظ، نظرًا لوجود نسبة كبيرة من الطلب علي الدولار الآن غير حقيقية، وبخاصة في ظل الركود الذي تشهده الأسواق المصرية. فكيف ينشط الطلب علي الدولار في ظل حالة ركود، الطبيعي أن ينشط الطلب علي الدولار في حالة وجود نشاط اقتصادي. كما أن الخطر الأكبر أن تكون السوق السوداء مصدرا لتمويل التجارات غير المشروعة الآن مثل تجارة السلاح والمخدرات وهما تجارتان نشطتان منذ وجود حالة الغياب الأمني بعد ثورة 25 يناير. ولذلك ليعلم كل من يساهم في السوق السوداء للدولار أنه يقوم بتمويل هذه التجارات القاتلة لمصر وشعبها.