الخامهالاصلية لتمثال »بيت السلام« هي الجبس.. أبعاده »54*54*011سم« وتم سبك التمثال من خامة البرونز عام 2102 قام بذلك ابنه مجد.. فقد أحسن فعلا.. يستحق التقدير لأنه فكر جيدا في كيفية عرض التمثال في أحسن صورة للمشاهد المصري، الانسان والعمارة كل منهما يكمل الاخر بالمفهوم العام الانساني والوظيفي، اراد المثال جمال السجيني أن يضع التاريخ في الحضارات القديمة امامنا لنتأمل التكامل والتوحد بين القيم الانسانية والابداع الانساني، فنهج نفس منهجه المحفز لقضايا التعبير الفني والمتناقضات في العلاقات المعمارية من المنظور الهندسي والشكل العضوي المتمثل في الانسان، هذه الازدواجية ضاربة في عمق التاريخ وحتي الان في الفنون الحديثة، ولكن من النادر أن تتحقق هذه المعادلة في قالب توافقي ومتوازن ومتجانس.. فتمثال بيت السلام.. استطاع السجيني ان يهجن هذين النقيضين في عمل فني بارع، قد يذكرنا بالفنان الانجليزي »هينري مور« ولكن السجيني نهج الطريق الاصعب، كونه بني كتلته متجاوزا لم التناقض او التباين بين ما هو معماري وما هو عضوي ببراعة وإحساس ملئ بمرجعية تاريخية، اما هينري مور فاتجه إلي البناء المختزل للشكل العضوي فقط، وهنا تكمن فرادة وتميز السجيني في هذا التمثال المنبسط القابع علي الارض كأنه امتداد لها، فالقبة المبنية والقبة المفرغة - والاكتاف والسواعد - قباب صغيرة في متواليات معمارية تندمج وتتحد وتتكامل مع الجسد في ليونة متماسكة، والتمثال من جميع الاتجاهات تتبدل فيه بروز ودخول منحنيات العمارة الاسلامية البدائية ذات الحس الانساني الدافئ، يظهر بجلاء تكرار السلم مرة إيجابي بارز ومرة سلبي مفرغ في ايقاع رمزي يشير إلي الصعود إلي أعلي.. داخل القبو او البيت - بيت السلام - كما سماه السجيني كأنه عندما كان ينحت التمثال يحلم ببيت للسلام.. ونبذا للعنف والقهر.. يتميز هذا العمل النحتي بعمق علامات الرمز التي تعبر بعمق عن فكرة السجيني الكامنة فيه منذ بداية مسيرته الفنية وحتي رحيله ولكن تظل باقية امد الدهر، ومن الناحية الفنية والبنائية تحققت - جماليات تحطيم المتناقض - في قالب تبادلي رصين وأصيل.. نابع من عمق ثقافته، المبنية علي وضوح الرؤية وجسارة التناول والمعالجة الفنية، وتتأكد قدرة السجيني علي الاحتفاظ بحماسه ومبادئه وكفاحه ضد القبح والظلم والقهر، وقد اضاف سبك التمثال من خامة البرونز النبيلة عمقا وحسا بالرصانة، كون فن النحت يعتمد علي جماليات الخامة والطاقة التعبيرية المنبثقة منها، عندما يحلم الفنان بالسلام ويكرس طاقته ومشاعره وأحاسيسه لبناء بيت له في الحيز الافتراضي الذي نفتقده علي ارض الواقع، فالسجيني حقق الفكرة المشحونة بالامل والحلم المكنون فيها واصبحت كتلة محسوسة ذات الابعاد الثلاثية.. يتبقي الحلم وبيئته كما تخيله السجيني منذ عام 74 عاما.. يفتقد المجتمع لبيت كبير للسلام تتحد فيه الافكار والاحلام والاماني.. بيت للسلام للحوار الجاد الوطني.. تتبلور فيه الرؤي لتتحول الاحلام إلي مشروع قومي كبير ينقل المجتمع من أزماته المفتعلة إلي قضايا تنافسية من أجل التنمية وتحقيق الذات الوطنية.. بعيدا عن التصنيفات والفصائل الفكرية التي تتاجر بالدين وبالسياسة في آن واحد، فهل يتحقق »بيت السلام« للسجيني؟. »وللحديث بقية«