د. أحمد نوار التمثال عمودي البناء اكتسب بريقا وحيوية من خلال خامة البرونز النبيلة، حتي يتسني عرضه بما يليق بتاريخ المثال جمال السجيني، هذا ما فعله محمد السجيني بعد اكتشافه تسعة تماثيل مهمة لوالده قام بسبكها من خامة البرونز واعدها في عرض غير مسبوق ولأول مرة يشاهدها المتلقي، ويعد هذا الفعل استمرارا لروح السجيني وتعميقا واحياء لمبادئه الوطنية التي كافح من اجلها »فالمقاومة - والحرية - هذه أرضنا - صحوة الفلاح - مصرية - وجه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر« كلها موضوعات كامنة بداخله تفيض بحسه للوطني، فهذا البناء الشامخ الملئ بالارادة والعزة والكرامة والفداء في مقاومة العدوان الثلاثي الغاشم علي مدينة بور سعيد عام 6591، بور سعيد التي وضعها المثال القدير في موقع القلب ويتوسط القلب النسر رمز القوة ومخالبه دافعة للطاقة أسفل القلب، وبناء جسد المقاوم ممدودا يفيض منه طاقة شعب بأسره متحديا الهابطين بالمظلات ممسكا بيده سلاحا في وضع اقرب افقيا كأنه يقضي عليهم ويمنع العدو من الهبوط وصرخة المنتصر تعلو وجهه ويده اليسري تتوعد بقوة وجسارة المحارب، طاقة تعبيرية آتية من العمق.. ونشاهد اسفل ذراعيه عنصر الشمس المتكرر كأنه يحجب العدو الذي تمثل في الجزء الاعلي من مصر وارضها وشمسها في مصفوفة رمزية بليغة، وجسارة وجرأة السجيني تأتي من خلال تناوله لعناصر ورموز قد نشاهدها في عمل فني ملون ذي بعدين، ولكن كونه يبني هذا الصرح المعماري المتمثل في المقاوم وعلاقته البنائية بمجموعة المظلات التي حول الهواء فيها إلي مادة وقوام ذات ثلاثة أبعاد.. وفي هذه الحالة قد حقق السجيني معادلة متوافقة من نقيضين، وانصاف الدوائر المتراكمة والمتوالية والجاذبة لأسفل وايقاع الخيوط المتكرر وفق طبيعة هذه العناصر تستدعي من عمق ذاكرة السجيني ما وصل إليه من معالجات ممنهجة ومستلهمة من القباب التي ميزت العمارة الاسلامية.. مع الفارق في المعني والدلالة، وهذا يؤكد علي توحد رؤية الفنان وعمقه، وتأكيدا لتفرده في بناء ملامح الهوية الذاتية لفنه من خلال هذا البناء الثلاثي الابعاد المحكم معماريا، ويعد هذا التمثال شاهداً تاريخيا ووثيقة دامغة في وجه اعداء مصر، ويذكرنا بروعة »بابلوبيكاسو« »الجيرنيكا« التي مازالت تدين العدوان الغاشم علي قرية »الجيرنيكا« الاسبانية عام 6391، يعد السجيني من الفنانين القليلين والمتفردين بانشغالهم بالقضايا القومية والاحداث الوطنية، وكانت فترة الستينيات والسبعينيات زاخرة ومزدهرة بتفاعل الفنانين بنبض الوطن، ومتحف الفن الحديث شاهد وموثق حيث يضم مئات من اعمال الفنانين التي تعبر عن الوطن بأحداثه والمجتمع بحياته اليومية، ووطنية السجيني كانت وما زالت وطنية نابضة علي ارض الواقع، وهذه المجموعة من روائع السجيني والتي سأكتب عنها علي التوالي جزء دال علي عبقرية فذة نفتقدها في هذا الزمان. »وللحديث بقية«.