مازالت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر تفرض نفسها علي أي حديث آخر.. وكما قلت الأسبوع الماضي إن البحث عن مخرج من هذه الأزمة أهم حالياً من الدستور والبرلمان لأننا إذا لم نتوحد وبسرعة ونلقي خلف ظهورنا بكل خلافاتنا السياسية سنتعرض لكارثة لا يتمناها أي مصري لوطنه. الأيام القادمة شديدة الصعوبة ومن الحكمة أن نناقش المشكلة بتعقل.. دون تهوين ولا تهويل وأن يؤمن كل مصري أن عليه دوراً في عبور هذه الأزمة يبدأ بالثقة في قدرتنا علي تجاوزها.. كل منا مطالب في ظروف كهذه ألا يستجيب لأية شائعات تشكك في قدرة الدولة علي ضمان الودائع بالبنوك وألا يسارع بتحويل أرصدته إلي دولارات فيزيد الطلب علي الدولار ويرتفع سعره مقابل الجنيه المصري لحدود غير واقعية يترتب عليها ارتفاع تكلفة السلع المستوردة وزيادة أسعارها بشكل مبالغ فيه.. الخوف من الأزمة يجب ألا يدفعنا إلي تخزين السلع الغذائية مما يخلق سوقاً سوداء ترفع أسعارها بلا مبرر. المصريون العاملون بالخارج عليهم دور مهم أيضاً ولا أظنهم يتأخرون عنه وقد أسعدتني تلك المبادرة التي تدعو كل مصري بالخارج لتحويل ألف دولار.. ليس بهدف جمع الأموال لدعم الاقتصاد ولكن مجرد تحويل المصري المقيم بالخارج ألف دولار لحسابه في مصر أو لأسرته سيؤدي ذلك بشكل غير مباشر لزيادة احتياطي النقد الأجنبي الذي تراجع من 63 مليار دولار قبل الثورة إلي 51 مليار دولار حالياً لا تكفي لأكثر من ثلاثة أشهر لتوفير السيولة اللازمة لاستيراد السلع الغذائية الأساسية. التعديلات الضريبية المتوقعة خلال الشهر الحالي سيترتب عليها بالتأكيد زيادة أسعار الكثير من السلع والخدمات مما يجعلنا مضطرين لتحمل أعباء إضافية.. لكن المهم أن تراعي هذه التعديلات أن تتحمل الطبقات القادرة الجانب الأكبر من تبعاتها.. وهنا تكمن كفاءة الحكومة في الموازنة بين زيادة الحصيلة الضريبية كأحد المصادر الأساسية لخفض عجز الموازنة العامة الذي يقترب من 002 مليار جنيه وبين تخفيف الأعباء الجديدة علي الفقراء ومحدودي الدخل إلي أقصي حد ممكن. هذه التعديلات الضريبية جزء من مطالب وشروط صندوق النقد الدولي لإتاحة القرض الذي بدأ التفاوض عليه بقيمة 8.4 مليار دولار.. والاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو الصك الذي يؤكد الثقة في الاقتصاد المصري ويفتح الطريق لمصر للحصول علي قروض أخري من المؤسسات المالية العالمية والدول الكبري والصديقة.. معادلة صعبة لكن لا مفر منها في الوقت الحالي.. علي الأقل حتي يسترد الاقتصاد المصري عافيته وتعود الاستثمارات الأجنبية وحركة السياحة إلي معدلاتها الطبيعية بعدما يتحقق الاستقرار الأمني. في هذه الظروف الصعبة التي نمر بها لابد أن نتوقف بوازع من ضمائرنا ومن حبنا لوطننا ورغبتنا في أن نتجاوز الأزمة في أسرع وقت عن أي مطالب فئوية جديدة.. الكثيرون من أبناء هذا الشعب الطيب تعرضوا لظلم فادح علي مدي سنوات طويلة لكن رفع هذا الظلم واستعادة حقوقهم الضائعة لا يمكن أن يتم بين يوم وليلة ولا يعقل أن نطالب باستعادة هذه الحقوق في ظروف كالتي تمر بها مصر.. نعمل أولاً بكامل طاقتنا ليل نهار مثلما فعل الألمان واليابانيون والكوريون وغيرهم وعندما نتجاوز الأزمة نطالب بحقوقنا. لو تفهمنا هذه المعاني واقتنعنا بدورنا في مساعدة الحكومة علي الخروج بالاقتصاد المصري من عنق الزجاجة.. ولو توقفت الرئاسة والحكومة عن إطلاق التصريحات الوردية التي تهوّن من الأزمة وتؤكد قدرتنا علي تجاوزها خلال شهور قليلة دون أن تمتلكا الدليل علي سلامة هذه التصريحات.. ولو توقف بعض الخبراء الاقتصاديين ضيوف الفضائيات عن تضخيم الأزمة والتهويل من آثارها.. ولو ساهمت الأحزاب وأجهزة الإعلام في توضيح الصورة الحقيقية للشعب سنجتاز هذه الأزمة بكل تأكيد ويعود اقتصادنا أقوي مما كان لننطلق إلي مرحلة التنمية الشاملة. ما الذي أوصلنا إلي هذه الأزمة؟ وهل هناك سبل أخري لتجاوزها؟.. لهذا حديث آخر. كل عام وأنتم بخير كل عام وأنتم بخير.. طوينا صفحة 2102 وفتحنا صفحة بيضاء لعام جديد »3102« أتمني أن نتذكر فيه دائماً أن قمة الحب أن تحب من جرحك.. وقمة الوفاء أن تنسي جرح الحبيب.. وقمة الوصل أن تصل من قطعك.. وقمة الإحسان أن تحسن لمن أساء إليك.. وقمة التسامح أن تعفو عمن ظلمك. والقمة الأهم أن يكون كل ذلك محبة لله سبحانه وتعالي. وبهذه المناسبة أعتذر للقلوب التي أحبتني.. والقلوب التي كان لها موقف مني.. لقلوب لا أعلم إن كانت راضية عني أم ساخطة عليّ.. لفعل ارتكبته.. أو تقصير تماديت فيه.. أو كلمة تسببت في جرح لأصحابها. أسأل الله أن يعيد لقلوبنا جميعاً الصفاء والمحبة.. فمن يدري هل نعيش إلي العام القادم.. أم لا؟ وكل عام وأنتم بخير.