في عصور الظمأ المروعة، يصير الارتواء من ينابيع المحبة المخلصة أمراً حيوياً محتماً، حتي لا نهلك عطشاً، ونتبعثر أشلاء في شعاب الجفاف الملتوية، انه وحده الحب القادر بإذن من أسمي نفسه بالودود علي انتشالنا من المفاوز والمهالك التي صارت تتقاذفنا فيما بينها، وتلهو بنا أفراداً وجماعات كأننا كرات تحت الأقدام، أو وريقات شجر يابسة في مهب ريح، تنقلها حيث توجهت، وهي لا تحرك ساكناً ولا تُعمل عقلاً، والمتعصبون الحمقي هم أكثر الناس قابلية للانقياد بلا وعي، وهم أنسب المطايا والظهور للأنواء المغرضة، وغاياتها المشبوهة، ولا شك في أن ألد أعداء الأنواء هم هؤلاء العقلاء الذين إذا هبت الرياح سواء من الشرق أو الغرب، استمسكوا بأطواق النجاة، وإذا اندفعت أعاصير التعصب الهوجاء، لاذوا بقيم التسامح، والمحبة، وحسن الإدراك، كي لا ينجرفوا مع السذج والدهماء، والدخلاء الذين يدركون ما يفعلون، ولكن الأوطان عندهم مجرد مكان، ومسرح للنشاط المريب الموصول بالخيوط الخفية الممتدة إلي أيدي أطراف بعيدة، والحقيقة أن المفكر المصري الدكتور نبيل لوقا بباوي واحد من تلك الأصوات العاقلة التي تعد عامل أمان للأوطان، لأنها تقف دائماً كسد منيع في وجه طوفان الفتنة الطائفية البغيضة، ولأنها متأهبة دوماً لملاقاة الأعاصير، وكتب بباوي العديدة شاهدة علي ذلك، فهي تحاول دائماً نزع فتيل الدمار الذي يجنح الصبية ومن وراءهم إلي إشعاله بين الحين والآخر، وقد انتهيت لتوي من قراءة كتاب دعوة للنقاش والحوار العام بعيداً عن المتعصبين من المسلمين والمسيحيين، فأعجبني طرحه، ودعوته إلي الالتفاف حول أهداف يجيء في مقدمتها: التصدي إلي أعداء الأخلاق، ومنعدمي الضمير، وكل من يسيء إلي الهداة والأنبياء والمرسلين.