سعر الذهب في مصر اليوم الخميس 21-8-2025 مع بداية التعاملات    الدكتور نصر محمد عارف ل«المصري اليوم»: مصر الدولة الوحيدة التي تدرك الخطر الذى يهدد العالم العربى.. والباقون مشغولون بأمنهم الوطني (الحلقة 37)    شراكة بين المتحدة و"تيك توك" لنقل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير- تفاصيل    قصف إسرائيل ل جباليا البلد والنزلة وحي الصبرة في قطاع غزة    عائلات الرهائن الإسرائيليين تتظاهر قرب حدود غزة مطالبة بإنقاذ ذويهم    «لازم تتعب جدًا».. رسالة نارية من علاء ميهوب لنجم الأهلي    كيم جونغ أون يحيي جنوده المشاركين في القتال إلى جانب روسيا    عاجل- درجة الحرارة تصل 42 ورياح.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم الخميس    سامح الصريطي بعد انضمامه للجبهة الوطنية: لم أسعَ للسياسة يومًا.. لكن وجدت فرصة لخدمة الوطن عبر الثقافة والفن    «الشيخ زويد المركزي» يبحث مع «اليونيسف» ووزارة الصحة تأهيله كمركز تميز للنساء والتوليد ورعاية حديثي الولادة    رجل الدولة ورجل السياسة    رئيس شعبة السيارات: خفض الأسعار 20% ليس قرار الحكومة.. والأوفر برايس مستمر    مروة يسري: جهة أمنية احتجزتني في 2023 أما قلت إني بنت مبارك.. وأفرجوا عني بعد التأكد من سلامة موقفي    وداعا لمكالمات المبيعات والتسويق.. القومي للاتصالات: الإيقاف للخطوط والهواتف غير الملتزمة بالتسجيل    حين يصل المثقف إلى السلطة    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 رسميًا في مصر وعدد أيام الإجازة    للرجال فقط.. اكتشف شخصيتك من شكل أصابعك    تعاون علمي بين جامعة العريش والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    الآن.. شروط القبول في أقسام كلية الآداب جامعة القاهرة 2025-2026 (انتظام)    إصابة مواطن ب«خرطوش» في «السلام»    درجة الحرارة تصل 43.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري بالاسواق اليوم الخميس 21 أغسطس 2025    عيار 21 بالمصنعية يسجل أقل مستوياته.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الهبوط الكبير    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    Avatr تطلق سياراتها ببطاريات جديدة وقدرات محسّنة للقيادة الذاتية    «عنده 28 سنة ومش قادر يجري».. أحمد بلال يفتح النار على رمضان صبحي    ابلغوا عن المخالفين.. محافظ الدقهلية: تعريفة التاكسي 9 جنيهات وغرامة عدم تشغيل العداد 1000 جنيه    لماذا لا يستطيع برج العقرب النوم ليلاً؟    استشاري تغذية يُحذر: «الأغذية الخارقة» خدعة تجارية.. والسكر الدايت «كارثة»    "تجارة أعضاء وتشريح جثة وأدلة طبية".. القصة الكاملة وآخر مستجدات قضية اللاعب إبراهيم شيكا    الجبهة الوطنية يعين عددًا من الأمناء المساعدين بسوهاج    رئيس اتحاد الجاليات المصرية بألمانيا يزور مجمع عمال مصر    الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 269 بينهم 112 طفلًا    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    السفير الفلسطيني بالقاهرة: مصر وقفت سدًا منيعًا أمام مخطط التهجير    ضربها ب ملة السرير.. مصرع ربة منزل على يد زوجها بسبب خلافات أسرية بسوهاج    شراكة جديدة بين "المتحدة" و"تيك توك" لتعزيز الحضور الإعلامي وتوسيع نطاق الانتشار    احتجاجات في مايكروسوفت بسبب إسرائيل والشركة تتعهد بإجراء مراجعة- فيديو    طارق سعدة: معركة الوعي مستمرة.. ومركز لمكافحة الشائعات يعمل على مدار الساعة    استخدم أسد في ترويع عامل مصري.. النيابة العامة الليبية تٌقرر حبس ليبي على ذمة التحقيقات    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    ليلة فنية رائعة فى مهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. النجم إيهاب توفيق يستحضر ذكريات قصص الحب وحكايات الشباب.. فرقة رسائل كنعان الفلسطينية تحمل عطور أشجار الزيتون.. وعلم فلسطين يرفرف فى سماء المهرجان.. صور    ناصر أطلقها والسيسي يقود ثورتها الرقمية| إذاعة القرآن الكريم.. صوت مصر الروحي    عودة شيكو بانزا| قائمة الزمالك لمواجهة مودرن سبورت    "أخطأ في رسم خط التسلل".. الإسماعيلي يقدم احتجاجا رسميا ضد حكم لقاء الاتحاد    محافظ كفر الشيخ يقدم واجب العزاء في وفاة والد الكابتن محمد الشناوي    اتحاد الكرة يفاوض اتحادات أوروبية لاختيار طاقم تحكيم أجنبي لمباراة الأهلي وبيراميدز    90 دقيقة تحسم 7 بطاقات أخيرة.. من يتأهل إلى دوري أبطال أوروبا؟    جمال شعبان: سرعة تناول الأدوية التي توضع تحت اللسان لخفض الضغط خطر    كلب ضال جديد يعقر 12 شخصا جديدا في بيانكي وارتفاع العدد إلى 21 حالة خلال 24 ساعة    وفاة أكثر قاض محبوب في العالم وولاية رود آيلاند الأمريكية تنكس الأعلام (فيديو وصور)    افتتاح قمة الإبداع الإعلامي للشباب العربي بحضور هنو ومبارك وعمار وعبدالغفار وسعده    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مائيات الراحل عدلي رزق الله‏(1939‏ 2010)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 11 - 2010

لا أعتقد أن أحدا في عالم الفنون البصرية يختلف علي أن للخامة دورا محوريا في صياغة الصورة النهائية داخل مثلث الخلق الشهير‏,‏ والذي تتكون أضلاعه من الفكرة والمادة والفعل الابداعي‏.‏ وفي هذا السياق يتحدد المسار الشكلي والضمني أحيانا لأبعاد العمل الفني بتأثير من المواد الطبيعية والصناعية المختلفة‏,‏ وهنا نستطيع أن نعتبر الألوان المائية من أكثر الخامات خصوصية وتأثيرا في النسيج التشكيلي منذ عصر ما قبل الأسرات المصرية القديمة‏,‏ مرورا بالفنين القبطي والاسلامي بانتماءاتهما الجغرافية المتباينة‏,‏ حتي تطورها في العصر الحديث‏,‏ بداية من القرن الخامس عشر علي يد بعض أعلامها‏,‏ مثل الألماني دورر‏,‏ والانجليزيين تيرنر‏,‏ ورسكن‏,‏ والفرنسي فراجونار‏,‏ والايطاليين موريللي‏,‏ وميكيتي وغيرهم‏,‏ أما في مصر فقد انطلق تاريخ هذه الخامة عند مطالع القرن العشرين عن طريق التركي هدايت‏,‏ ثم جماعة الدعاية الفنية التي أسسها حبيب جورجي عام‏1928,‏ ليلتف حولها مجموعة من تلاميذه‏,‏ جانحين صوب استخدام الألوان المائية‏,‏ مثل نجيب أسعد‏,‏ محمد الغرابلي‏,‏ لبيب أيوب‏,‏ يوسف العفيفي‏,‏ علاوة علي ألمعهم فيما بعد شفيق رزق‏(1905‏ 1989),‏ والذي يعد من بواكير حبات مسبحة الموهوبين المخلصين للخامة‏,‏ مثل كوكب العسال وبخيت فراج ومحمد طراوي وشاكر المعداوي وعدلي رزق الله‏(1939‏ 2010)‏ الذي رحل عن عالمنا مؤخرا عن عمر يناهز واحد وسبعين عاما‏,‏ قضي معظمها وفيا لخامة الألوان المائية فقط دون غيرها‏,‏ بما جعله أحد أساطينها علي الصعيدين المحلي والعالمي‏.‏ وقد ظل طوال حياته يسعي عبر هذا الوسيط المائي لتأكيد منهجه التصويري المألوف الذي يتكيء فيه علي مفرداته المرئية الطبيعية لبناء تكوين يتمحور حول العلاقات الانسانية الكونية المحسوسة‏,‏ من نخيل وبيوت وجبال وعصافير وفراشات وزهور وبشر‏,‏ وكلها تصب في وعاء للنماء والتوالد‏,‏ ربما استحضره عدلي من نشأته الأولي في أبنوب الحمام إحدي بلدات محافظة أسيوط‏,‏ والتي أثرت في تركيبة الذاكرة البصرية والوجدانية لديه‏,‏ بمشاركة فاعلة من أب وأم ريفيين يدركان مدي قيمة الأرض كمصدر للرزق الرباني‏,‏ لنجد رزق الله يلملم تلك التوليفة المخزونة في جرابه الشعوري‏,‏ دافعا إياها إلي آفاق مغايرة تتجاوز حدود المشهد البصري المحدود نحو رؤي رحبة يغلفها نسيم النفس‏,‏ حتي إن مائياته كانت تبدو وكأنها تشدو بتراتيل الخصوبة عبر ارتواء الروح‏.‏ وأعتقد هنا أن الفنان كان نقطة تحول في تاريخ الفكرين الشكلي والموضوعي للخامة‏,‏ بعد وقوع معظم فنانيها في أسر المنظر الطبيعي باستثناء شاكر المعداوي‏,‏ فإذا دققنا في العروض الأخيرة لعدلي‏,‏ سنلحظ أنها تصلح كعينة نقدية تطبيقية نسلط الضوء من خلالها علي الملمح العام لشخصية الفنان‏,‏ لا سيما في العقدين الأخيرين من حياته‏,‏ كحصاد منطقي لمشوار إبداعي تراكمي كبير‏,‏ فنجده مع نهاية الثمانينيات ومطالع التسعينيات مولعا بالعنصر البشري كرمز للإخصاب وديمومة الحياة علي المستويين الجسدي والروحي‏,‏ حيث يدفع به غالبا إلي بؤرة التعبير في العمل‏,‏ مجردا من التفاصيل مغمورا بفيض من النور المنبعث من الداخل‏.‏
وتزامنا مع هذا الحرث النوراني يتسلل عدلي بمفرداته من زهور يانعة ونبات غض ونخيل سامق بين ثنايا المشهد المنير‏,‏ وكأنه يستنطق بداخله تراتيل الخصوبة عبر ارتواء الروح‏,‏ ليتحول في لحظات صوفية مدهشة إلي أجساد تطير وأشلاء تتخلق ونساء بأجنحة الفراشات‏,‏ وهو ما يعني في أعمال الفنان ذلك الصراط الواصل بين غواية الجسد ونداء الأرض‏..‏ بين بهجة الميلاد وفرحة الإثمار‏..‏ وعند هذه النقطة الحدية علي منحني غزل الصورة تختزل المسافة إلي الصفر بين الوليد والبرعم‏,‏ بما يملأ الحيز الإيهامي للملتقي بمزيج حيوي من التلاقح والازهار‏..‏ من التزاوج والانجاب‏,‏ حتي يصل رزق الله مع نهاية التسعينيات الي الجمع بين آليتي التصوير والنحت في مسطح واحد‏,‏ حيث يظل يحاصر مساحاته البيضاء بلمسات لونية رهيفة‏,‏ ليحيلها إلي كتل جسدية جرانيتية مضيئة تعج بالرغبة في الإنبات والولادة‏,‏ وكأنها تبوح رويدا بتراتيل الخصوبة عبر ارتواء الروح‏,‏ إلي أن يدخل عدلي الألفية الثالثة متوحدا مع تلك الكتل الآدمية المتوهجة‏,‏ فيبدو وكأنه ينشطر روحيا علي الورق إلي تكوينات بللورية متنوعة الحجوم والألوان‏,‏ وإن كان الأبيض البهي يسودها بسيطرة علي جوهري التعبير والتلقي في آن‏,‏ عند قمة التحقق والتطهر الذاتي للفنان‏,‏ والذي يتم تحريضه من خلالهما نفسيا ووجدانيا‏,‏ وتقنيا للدفع بعصافيره وفراشاته كي تعبر أسوار المشهد‏,‏ سابحة في فضائه من الجزئي إلي الكلي والعكس‏,‏ فتظهر داخل كل وحدة من شطائره كومضة روحية تفض بكارتها النورانية كتسابيح في جوف أحد قناديل العرش‏,‏ وقد يكون هذا السيل من البراءة ناتجا من ممارسة الفنان لرسوم وحكايات الأطفال‏,‏ وهنا قد نستطيع استجلاء تفسير لتلك المساحات اللونية المعتمة التي غالبا ما يحيط بها عدلي رزق الله تكويناته كقفطان راهب مبدع ظل صاحبه منذ بكارة طفولته يشيد تحته جنته الخاصة‏,‏ حتي أدرك ملامحها بحكمة الشيوخ عندما اقترب وقت الرحيل‏,‏ فاندفع يبلل فرشاته في أنهارها ليطبع وشمه علي نمارقه المصفوفة‏,‏ ويؤنس أجساده المنيرة بتراتيل الخصوبة بعد ما ارتوت الروح‏.‏

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.