ننشر جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني لصفوف النقل والشهادة الإعدادية بالبحيرة    نيجيريا تعتزم السماح بتداول 20% من إنتاج النفط في البورصة للمرة الأولى    لماذا تختار إسرائيل توجيه المسيرات إلى الهجوم على أصفهان؟    الكونفدرالية، جوزيه جوميز يعلن قائمة الزمالك لمواجهة دريمز الغاني    عمر مرموش يقود هجوم فرانكفورت أمام أوجسبورج في الدوري الألماني    النيابة العامة تحيل عاطلا للجنايات بتهمة سرقة مليوني جنيه بالقاهرة    الاستماع لأقوال شهود العيان في مصرع عامل وإصابة زميله داخل مصنع لإنتاج المخلل بالبدرشين    جعلنا نحب مهنة التمثيل.. عمرو يوسف ينعى صلاح السعدني    انطلاق ليالي العرض المسرحي "الحياة حدوتة" ببورفؤاد    طارق البرديسى: الفيتو الأمريكى تأكيد على سياسة واشنطن الجائرة ضد فلسطين    الهنود يبدءون التصويت خلال أكبر انتخابات في العالم    ولاية ألمانية تلغي دعوة القنصل الإيراني إلى حفل بسبب الهجوم على إسرائيل    تسجيل أول سيارة بالشهر العقاري المتنقل في سوق بني سويف    وزير الاتصالات يشهد ختام فعاليات البطولة الدولية للبرمجيات بمحافظة الأقصر    أخبار الأهلي : حقيقة مفاوضات الأهلي للتعاقد مع لاعب البنك فى الصيف    وزيرا خارجية مصر وجنوب أفريقيا يترأسان أعمال الدورة العاشرة للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين    محافظ أسيوط يوجه الشكر لاعضاء اللجنة النقابية الفرعية للصحفيين بالمحافظة    الحماية المدنية تسيطر على حريق في «مقابر زفتى» ب الغربية    إخماد حريق بمخزن خردة بالبدرشين دون إصابات    "التعليم الفني" يكشف تفاصيل انطلاق مشروع "رأس المال الدائم"    ضبط لص الدراجات النارية في الفيوم    مطار مرسى علم الدولي يستقبل 149 رحلة تقل 13 ألف سائح من دول أوروبا    11 جامعة مصرية تشارك في المؤتمر العاشر للبحوث الطلابية بكلية تمريض القناة    صلاح السعدنى.. موهبة استثنائية وتأثير ممتد على مدى نصف قرن    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    دعاء يوم الجمعة قبل الغروب.. أفضل أيام الأسبوع وأكثرها خير وبركة    وزير الصحة يتفقد المركز الإفريقي لصحة المرأة ويوجه بتنفيذ تغييرات حفاظًا على التصميم الأثري للمبنى    محافظ الإسكندرية يدعو ضيوف مؤتمر الصحة لزيارة المعالم السياحية    عمل الحواوشي باللحمة في البيت بنفس نكهة وطعم حواوشي المحلات.. وصفة بسيطة وسهلة    6 آلاف فرصة عمل | بشرى لتوظيف شباب قنا بهذه المصانع    حماة الوطن يهنئ أهالي أسيوط ب العيد القومي للمحافظة    مؤتمر أرتيتا: لم يتحدث أحد عن تدوير اللاعبين بعد برايتون.. وسيكون لديك مشكلة إذا تريد حافز    إسلام الكتاتني: الإخوان واجهت الدولة في ثورة يونيو بتفكير مؤسسي وليس فرديًا    من بينهم السراب وأهل الكهف..قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024    إعادة مشروع السياحة التدريبية بالمركز الأفريقي لصحة المرأة    رجال يد الأهلي يلتقي عين التوتة الجزائري في بطولة كأس الكؤوس    بالإنفوجراف.. 29 معلومة عن امتحانات الثانوية العامة 2024    جامعة القاهرة تحتل المرتبة 38 عالميًا لأول مرة فى تخصص إدارة المكتبات والمعلومات    «التحالف الوطني»: 74 قاطرة محملة بغذاء ومشروبات وملابس لأشقائنا في غزة    وفاة رئيس أرسنال السابق    "مصريين بلا حدود" تنظم حوارا مجتمعيا لمكافحة التمييز وتعزيز المساواة    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 4 مجازر في غزة راح ضحيتها 42 شهيدا و63 مصابا    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    شرب وصرف صحي الأقصر تنفى انقطاع المياه .. اليوم    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    العمدة أهلاوي قديم.. الخطيب يحضر جنازة الفنان صلاح السعدني (صورة)    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    خالد جلال ناعيا صلاح السعدني: حفر اسمه في تاريخ الفن المصري    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    استشهاد شاب فلسطيني وإصابة اثنين بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم "نور شمس" شمال الضفة    ضبط 3 عناصر إجرامية بحوزتهم حشيش وأسلحة نارية ب 2.2 مليون جنيه    ليفركوزن يخطط لمواصلة سلسلته الاستثنائية    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مائيات الراحل عدلي رزق الله‏(1939‏ 2010)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 11 - 2010

لا أعتقد أن أحدا في عالم الفنون البصرية يختلف علي أن للخامة دورا محوريا في صياغة الصورة النهائية داخل مثلث الخلق الشهير‏,‏ والذي تتكون أضلاعه من الفكرة والمادة والفعل الابداعي‏.‏ وفي هذا السياق يتحدد المسار الشكلي والضمني أحيانا لأبعاد العمل الفني بتأثير من المواد الطبيعية والصناعية المختلفة‏,‏ وهنا نستطيع أن نعتبر الألوان المائية من أكثر الخامات خصوصية وتأثيرا في النسيج التشكيلي منذ عصر ما قبل الأسرات المصرية القديمة‏,‏ مرورا بالفنين القبطي والاسلامي بانتماءاتهما الجغرافية المتباينة‏,‏ حتي تطورها في العصر الحديث‏,‏ بداية من القرن الخامس عشر علي يد بعض أعلامها‏,‏ مثل الألماني دورر‏,‏ والانجليزيين تيرنر‏,‏ ورسكن‏,‏ والفرنسي فراجونار‏,‏ والايطاليين موريللي‏,‏ وميكيتي وغيرهم‏,‏ أما في مصر فقد انطلق تاريخ هذه الخامة عند مطالع القرن العشرين عن طريق التركي هدايت‏,‏ ثم جماعة الدعاية الفنية التي أسسها حبيب جورجي عام‏1928,‏ ليلتف حولها مجموعة من تلاميذه‏,‏ جانحين صوب استخدام الألوان المائية‏,‏ مثل نجيب أسعد‏,‏ محمد الغرابلي‏,‏ لبيب أيوب‏,‏ يوسف العفيفي‏,‏ علاوة علي ألمعهم فيما بعد شفيق رزق‏(1905‏ 1989),‏ والذي يعد من بواكير حبات مسبحة الموهوبين المخلصين للخامة‏,‏ مثل كوكب العسال وبخيت فراج ومحمد طراوي وشاكر المعداوي وعدلي رزق الله‏(1939‏ 2010)‏ الذي رحل عن عالمنا مؤخرا عن عمر يناهز واحد وسبعين عاما‏,‏ قضي معظمها وفيا لخامة الألوان المائية فقط دون غيرها‏,‏ بما جعله أحد أساطينها علي الصعيدين المحلي والعالمي‏.‏ وقد ظل طوال حياته يسعي عبر هذا الوسيط المائي لتأكيد منهجه التصويري المألوف الذي يتكيء فيه علي مفرداته المرئية الطبيعية لبناء تكوين يتمحور حول العلاقات الانسانية الكونية المحسوسة‏,‏ من نخيل وبيوت وجبال وعصافير وفراشات وزهور وبشر‏,‏ وكلها تصب في وعاء للنماء والتوالد‏,‏ ربما استحضره عدلي من نشأته الأولي في أبنوب الحمام إحدي بلدات محافظة أسيوط‏,‏ والتي أثرت في تركيبة الذاكرة البصرية والوجدانية لديه‏,‏ بمشاركة فاعلة من أب وأم ريفيين يدركان مدي قيمة الأرض كمصدر للرزق الرباني‏,‏ لنجد رزق الله يلملم تلك التوليفة المخزونة في جرابه الشعوري‏,‏ دافعا إياها إلي آفاق مغايرة تتجاوز حدود المشهد البصري المحدود نحو رؤي رحبة يغلفها نسيم النفس‏,‏ حتي إن مائياته كانت تبدو وكأنها تشدو بتراتيل الخصوبة عبر ارتواء الروح‏.‏ وأعتقد هنا أن الفنان كان نقطة تحول في تاريخ الفكرين الشكلي والموضوعي للخامة‏,‏ بعد وقوع معظم فنانيها في أسر المنظر الطبيعي باستثناء شاكر المعداوي‏,‏ فإذا دققنا في العروض الأخيرة لعدلي‏,‏ سنلحظ أنها تصلح كعينة نقدية تطبيقية نسلط الضوء من خلالها علي الملمح العام لشخصية الفنان‏,‏ لا سيما في العقدين الأخيرين من حياته‏,‏ كحصاد منطقي لمشوار إبداعي تراكمي كبير‏,‏ فنجده مع نهاية الثمانينيات ومطالع التسعينيات مولعا بالعنصر البشري كرمز للإخصاب وديمومة الحياة علي المستويين الجسدي والروحي‏,‏ حيث يدفع به غالبا إلي بؤرة التعبير في العمل‏,‏ مجردا من التفاصيل مغمورا بفيض من النور المنبعث من الداخل‏.‏
وتزامنا مع هذا الحرث النوراني يتسلل عدلي بمفرداته من زهور يانعة ونبات غض ونخيل سامق بين ثنايا المشهد المنير‏,‏ وكأنه يستنطق بداخله تراتيل الخصوبة عبر ارتواء الروح‏,‏ ليتحول في لحظات صوفية مدهشة إلي أجساد تطير وأشلاء تتخلق ونساء بأجنحة الفراشات‏,‏ وهو ما يعني في أعمال الفنان ذلك الصراط الواصل بين غواية الجسد ونداء الأرض‏..‏ بين بهجة الميلاد وفرحة الإثمار‏..‏ وعند هذه النقطة الحدية علي منحني غزل الصورة تختزل المسافة إلي الصفر بين الوليد والبرعم‏,‏ بما يملأ الحيز الإيهامي للملتقي بمزيج حيوي من التلاقح والازهار‏..‏ من التزاوج والانجاب‏,‏ حتي يصل رزق الله مع نهاية التسعينيات الي الجمع بين آليتي التصوير والنحت في مسطح واحد‏,‏ حيث يظل يحاصر مساحاته البيضاء بلمسات لونية رهيفة‏,‏ ليحيلها إلي كتل جسدية جرانيتية مضيئة تعج بالرغبة في الإنبات والولادة‏,‏ وكأنها تبوح رويدا بتراتيل الخصوبة عبر ارتواء الروح‏,‏ إلي أن يدخل عدلي الألفية الثالثة متوحدا مع تلك الكتل الآدمية المتوهجة‏,‏ فيبدو وكأنه ينشطر روحيا علي الورق إلي تكوينات بللورية متنوعة الحجوم والألوان‏,‏ وإن كان الأبيض البهي يسودها بسيطرة علي جوهري التعبير والتلقي في آن‏,‏ عند قمة التحقق والتطهر الذاتي للفنان‏,‏ والذي يتم تحريضه من خلالهما نفسيا ووجدانيا‏,‏ وتقنيا للدفع بعصافيره وفراشاته كي تعبر أسوار المشهد‏,‏ سابحة في فضائه من الجزئي إلي الكلي والعكس‏,‏ فتظهر داخل كل وحدة من شطائره كومضة روحية تفض بكارتها النورانية كتسابيح في جوف أحد قناديل العرش‏,‏ وقد يكون هذا السيل من البراءة ناتجا من ممارسة الفنان لرسوم وحكايات الأطفال‏,‏ وهنا قد نستطيع استجلاء تفسير لتلك المساحات اللونية المعتمة التي غالبا ما يحيط بها عدلي رزق الله تكويناته كقفطان راهب مبدع ظل صاحبه منذ بكارة طفولته يشيد تحته جنته الخاصة‏,‏ حتي أدرك ملامحها بحكمة الشيوخ عندما اقترب وقت الرحيل‏,‏ فاندفع يبلل فرشاته في أنهارها ليطبع وشمه علي نمارقه المصفوفة‏,‏ ويؤنس أجساده المنيرة بتراتيل الخصوبة بعد ما ارتوت الروح‏.‏

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.