يبدو أن عجلة الزمان دارت بأسرع مما يتوقع الذين راهنوا دائما، علي مستقبل بلا مشاكل، خاصة في مجال الطاقة، حين وضعوا كل أوراقهم في رهانات علي أن الطاقة البديلة، الجديدة والمتجددة، كفيلة بتحويل العالم إلي جنة! كانوا يتعجلون تطوير مشاريع، والتوسع في العمل بتقنيات إنتاج الطاقات المستدامة النظيفة، حتي إن البعض خصص ميزانيات مفتوحة تتوازي مع حجم الحلم الكبير: مصادر نظيفة للطاقة تحد من انبعاث الكربون وأيضا النفايات، وتطلع الحالمون إلي مدن تكون نفايات الطاقة فيها عند مستوي الصفر! وتيقنوا -أيضا- أن الرياح تأتي بما لا يشتهي السَّفِنُ، والشمس كذلك قد تخذل الذين انحازوا لها كمصدر للطاقة بلا نفايات، فحين دار الزمن دورته تبدت الآثار الجانبية التي لم تكن مصدر قلق، ثم أصبح من الضروري استبدال ألواح الخلايا الضوئية بأخري حتي يستمر إنتاج الطاقة الشمسية بكفاءة، حينئذ ولدت المشكلة، فالتخلص من هذه الألواح يعني مواجهة نوع من النفايات الالكترونية، وبالتالي تعرض البيئة لمواد سامة، وبالتوازي التخلص من وهم عاش طويلا فألواح الخلايا الضوئية ليست خيرا خالصا، والآن أصبح لزاما علي الخبراء تدويرها وفق آليات تضمن ألا تنطلق خلال عمليات التخلص منها آثار ضارة بالبيئة. »رب ضارة نافعة«، الرياح التي هبت ولا يشتهيها السَّفِنُ - أي القبطان أو قائد السفينة- دفعته للتفكير علي نحو مغاير، قياسا علي البدايات التي انطلقت منها فكرة استخدام الشمس كمصدر بديل نظيف ومتجدد لإنتاج الطاقة. ثمة نقطة مختلفة للانطلاق: لماذا لا يكون هناك بديل ل»البديل«؟! الأهم الآن التفكير بصورة لا تقليدية تماما: هل يمكن -مثلا- محاكاة مادة الكلوروفيل - المسئولة عن عملية التمثيل الضوئي في النبات صناعيا؟ فريق علمي أمريكي استطاع أن يحقق اختراقا علي هذا الصعيد، أنتج العلماء جزئيات صناعية تحاكي الكلوروفيل، فهي قادرة علي تحويل ضوء الشمس إلي الكترونيات، والأهم أن لديها القدرة -كذلك- علي تجديد نفسها، وعبر ارتباطها ذاتيا من خلال قنوات تعتمد علي تقنيات »النانو تكنولوجي« لتكوين شبكة كهربائية تنتج الطاقة وتوصلها لمن يحتاج إليها! الفكرة لم تخرج بعد من المختبرات، لكن مشوار الألف ميل بدأ بصورة إبداعية، هكذا تبدأ البشرية مرحلة جديدة في تطلعها لإنتاج حاجاتها من الطاقة، عبر مشروع طموح، انطلق مع بارقة عابرة في ذهن عالم، ربما تصادفه عقبات مادية أو تقنية، غير أن هذا الاكتشاف المذهل بعد سنوات -طالت أم قصرت- قد ينتشر بأكثر مما تصور من توصلوا إليه، وربما تكون الكهرباء المولدة عبر الكلوروفيل الصناعي بعد تعويض التكلفة الاستثمارية شبه مجانية، لكن حينذاك قد يبدأ الإنسان في المعاناة من بعض عيوبها، لتبدأ الدورة من جديد: البحث عن بدائل أفضل.