قضي الأمر.. أقرت الجمعية التأسيسية للدستور مشروع الدستور الجديد وتحدد 51 ديسمبر الحالي موعدا للاستفتاء عليه.. وضع الرئيس مرسي الرافضين للإعلان الدستوري الذي أصدره مؤخرا أمام خيار وحيد لإسقاطه وهو الموافقة علي مشروع الدستور ! لا أحد يعرف علي وجه اليقين ما إذا كان غالبية القضاة سيشرفون علي الاستفتاء أم جانب منهم فقط؟ لكن المؤكد أن الاستفتاء سيجري في موعده سواء أشرف عليه القضاة أم موظفو الادارة المحلية ذلك لأن الرئيس مرسي مصمم علي إنهاء مرحلة اللا دستور بأي ثمن تمهيدا لإجراء الانتخابات البرلمانية وبدء مرحلة إعادة البناء. منذ لحظة صدور الإعلان الدستوري وأنا أدرك تماما أن الرئيس لن يتراجع عن موقفه مهما حدث.. القراءة الصحيحة للمشهد لابد أن تقود إلي هذه النتيجة.. قامر الرئيس بشعبيته في سبيل حماية مسيرة الثورة ممن يحاولون تعطيلها حسبما صور له مستشارو السوء الذين أوقعوه في هذه الورطة التي أحدثت انقساما غير مسبوق بين أبناء الوطن وتركت جرحا عميقا لم يعد من السهل التئامه بعد ما أصرت القوي المدنية والثورية وغالبية القضاة والصحفيين والمحامين علي تصعيد رفضهم للإعلان الدستوري بمليونيات واعتصامات في ميدان التحرير تطورت إلي مسيرات حاصرت قصر الاتحادية أمس الأول.. وأمام تجاهل الرئاسة الحوار معهم أو الاستجابة لمطالبهم تصاعد سقف المطالب إلي إسقاط النظام وهو ما لم نكن نتمناه أبدا لأول رئيس مصري منتخب بإرادة شعبية حرة. في المقابل صعد التيار الاسلامي وفي مقدمته الإخوان من مظاهر تأييدهم للرئيس والإعلان الدستوري بمليونيات حاشدة أمام جامعة القاهرة وفي الاسكندرية وأغلب المحافظات وحصار غير مسبوق في تاريخ القضاء المصري للمحكمة الدستورية العليا أدي إلي تعليق أعمالها إلي أجل غير محدد مما أساء إلي صورة مصر أمام العالم .. ثم مسيرة »حماية الشرعية« مساء أمس أمام الاتحادية أيضاً. وهكذا وصلنا إلي نقطة اللاعودة من الطرفين ورفع الجانبان كما قلت الاسبوع الماضي شعار »لا تراجع ولا استسلام«.. ولكن هل تتحمل مصر هذا الانقسام والاستقطاب بين أبناء الوطن؟.. بالتأكيد لا تحتمل وهو ما يجعل الحوار هو الحل الوحيد الآن للخروج من هذه الأزمة خاصة وأن الأيام تمر وموعد الاستفتاء يقترب.. المؤيدون للدستور يتحركون وفق خطة مرسومة بدقة للتعريف بالدستور الجديد والرد علي أية انتقادات توجه لنصوص مواده.. أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور قسموا أنفسهم مجموعات تجوب المحافظات لشرح مواد الدستور وتوضيح مزاياه. هل تترك القوي المدنية والثورية المؤيدين للدستور يتحركون وحدهم خلال الأيام القليلة المتبقية علي موعد الاستفتاء ويكتفون هم بالمظاهرات والمسيرات والاعتصامات مطالبين بإلغاء الإعلان الدستوري وإلغاء الاستفتاء علي الدستور وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية وهم يعلمون أن هذا لن يحدث ؟ الصراع مع الإخوان والتيار الاسلامي بات طويلا وأول خطوة فيه يجب أن تكون التحرك بين الجماهير في جميع المحافظات وبأقصي سرعة لشرح عيوب الدستور ودعوتهم لرفضه وليس مقاطعة الاستفتاء.. هذا هو التصرف الأوفق في هذه الظروف بدلا من انتظار لحظة البكاء علي اللبن المسكوب. أعود إلي حتمية الحوار بين الجانبين للخروج من هذه الأزمة.. والحوار لكي ينجح لابد أن يكون الطرفان مستعدين لتقديم تنازلات سعيا للوصول إلي حل وسط يعلي مصلحة مصر.. هذا الحوار لابد أن يقوده عقلاء يضمدون الجراح ويوحدون الصفوف لأن استمرار الانقسام والاستقطاب لن يحقق الانتصار لأي طرف.. الكل سيخسر ! الأزهر الشريف استشعر الخطر جيداً.. ولهذا يحاول لم الشمل.. وربما تكون المبادرة التي يعد لها د. أحمد الطيب شيخ الأزهر والمنتظر الإعلان عنها خلال ساعات هي الفرصة الأخيرة لرأب الصدع بين أبناء الوطن.. وكل ما نتمناه أن تنجح هذه المبادرة في درء خطر الانقسام والاستقطاب الذي أصاب مصر قبل أن تنزلق إلي هوة الحرب الأهلية.