جاءت زيارة كل من أحمد أبوالغيط وزير الخارجية وعمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة للخرطوم وجوبا في وقت يتسم بالحرج الشديد وتصاعد التوتر بين شمال وجنوب السودان مع اقتراب موعد الاستفتاء علي المصير الذي تم إقراره بالمفاوضات والتوافق مع الطرفين. ولم يكن هذا الاتفاق عفويا ولكنه جاء في اطار محاولة لوضع نهاية لعشرين عاما من الصراع المسلح شابه تدخلات خارجية غير بريئة الاهداف. كان محور ممارسة هذه الضغوط.. من جانب الولاياتالمتحدةالامريكية التي مازالت تمارس هذه الضغوط المحمومة علي السودان من اجل ان يصل في النهاية إلي الانفصال. ليس خافيا علي احد ان هذا الهدف الامريكي يدخل ضمن استراتيجية تمزيق العالم العربي وانشغاله في صراعات لا تنتهي لإنهاكه واستنفاد ثرواته.. لاجدال ان هذا الذي يحدث يكشف بوضوح ما قامت به في العراق والذي ساعد عليه سياسة المغامرة التي تبناها نظام صدام الذي أوقعته واشنطن- منذ البداية وقبل عملية غزو الكويت- في شرك خدمة هذه الاستراتيجية المدمرة. ولابد هنا من الاشارة إلي ان ما تقوم به الولاياتالمتحدة في السودان والمدفوع بحماس غير عادي ليس بريئا بأي حال في القيام بعملية التضييق علي مصر وحصارها باعتبارها أكبر دولة عربية ومركز النضال والتصدي للمخططات الاستعمارية. يأتي ذلك من خلال شغلها بمشاكل حدودها الجنوبية بإغراق السودان المقسم في الصراعات وعدم الاستقرار وكذلك من خلال استقطاب كل الدول الاخري المحيطة بما يجعلها غير قادرة علي رفع رأسها والقيام بدورها في خدمة القضايا العربية المصيرية. ان هدفها من وراء هذا النشاط المعلن والمستتر هو تقييد حركة مصر في وقف الطموحات الصهيونية التي تلقي كل الرعاية والمساندة الامريكية رغم كل المظاهر الوهمية والمضللة. نعود ونقول ان هذه الزيارة التي قام بها كل من أبوالغيط وسليمان ولقاءهما بالرئيس البشير ونائبه حتي الان سلفا كير إنما تستهدف نزع فتيل استئناف الحرب الاهلية علي ضوء تعاظم الخلاف حول الاستفتاء واستحقاقات اجرائه. وليس خافيا القول بأن الانشطة والتصريحات التي يطلقها قادة الجنوب حول تحريض سكانه علي التصويت للانفصال تتعارض تماما وبنود هذه الاتفاقية والتي تقضي باتاحة الحرية الكاملة للجنوبيين لتقرير مصيرهم.. دون أي تأثيرات. انهم يعملون علي استثمار اخطاء حكومة الشمال في حق تعاملها مع الجنوب السوداني لسنين طويلة لاثارة النعرة الانفصالية التي من المؤكد انها لن تكون في صالح الطرفين علي ضوء الاتجاه العالمي نحو التكتل واقامة كيانات كبيرة. وقد جاءت رحلة المسئولين الكبيرين المصريين إلي شمال وجنوب السودان في اعقاب الزيارة التي قام بها وزير الدفاع السوداني للقاهرة ولقائه بالرئيس مبارك حاملا رسالة من الرئيس البشير.. من المحتمل انه كان لمضمون هذه الرسالة علاقة مباشرة بالتحرك السريع لمصر وحرصها علي إرسال هذين المبعوثين.. وهو ما نرجو أن يكونا قد نجحا في مهمتهما العويصة انطلاقا من العلاقة الاخوية الوطيدة التي تربط مصر بكلا الطرفين. من الطبيعي ان تصطدم أي جهود مصرية للتوفيق مع تدخلات واشنطن المحددة أهدافها والتي تدخل ضمن ازدواجية المعايير السياسية. انها وفي نفس الوقت التي تسن فيه اسنانها ضد السودان الموحد بحجة تنفيذ خطوة تقرير مصير الجنوب واثارة الهياج حول دارفور كما سبق أن اشرت.. نجدها تتعمد إغماض عينها وإخراس صوتها حول تجاوزات وجرائم اسرائيل ضد المواثيق والقرارات الدولية وضد حقوق الانسان وتتغاضي عن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. ليس من تفسير لهذا الذي يحدث سوي أن للولايات المتحدة مصلحة استراتيجية في هذا الذي يجري وتخطط له والذي تراه يحقق مصلحتها ومصلحة الصهيونية العالمية.