كلنا يحب مصر .. ولكن كل واحد يحبها بطريقته الخاصة .. وقد لايعجبك طريقتي أو لا تعجبني طريقتك ولكن يجب علي كلينا أن يتقبل طريقة الاخر وألا يضيق بها وألا يعتبرها كفرا أو خيانة أو خروجا عن الوطنية. هل تسمح لي اذن أن أختلف معك.. ولا تتهمني بخيانة الوطن.. ولاتصفني بالكفر أو البلطجة.. هل تسمح لي بأن أقول انك مخطئ وأنك لست علي حق فيما تقول ثم تسمع كلامي الي نهايته وترد علي ما قلت دون أن تسبني وتشتمني وتهينني وتتهمني.. هل هذا مستحيل أو صعب علي كلينا.. أظنه ليس كذلك ان كنا فعلا نحب هذا البلد.. فلا أنا أحبها أكثر منك.. ولا أنت ايضا. الحكاية مش حكاية شعب قام وثار.. قالها صلاح جاهين وغناها عبد الحليم.. الجملة جاءت بعد كلمة "اخواني" وهي لم تكن تعني في ذلك الوقت ما تعنيه الان.. بل كانت تعني كل الناس لأن الثورة وقتها كانت ملكا لكل الناس ولم تكن كتلك الثورة التي يدعي كل واحد انها ثورته وحده دون غيره.. وأنه الوحيد الذي يملك حق قيادتها وتوجيهها وحمايتها والحديث عنها. الحكاية اليوم انه لم يعد هناك شعب.. هناك شعبان وربما اكثر.. هناك مصران وربما أكثر.. فقد تمزقت مصر التي في خاطرنا وقلوبنا الي مصرين.. وانقسم شعبها الي شعبين.. لا بأس ان كان كلا الشعبين يتقبل الاخر ولكن هذا لم يحدث.. فقد تباعدت المسافة بينهما الي درجة لا يمكن تقبلها . وكنا نتمني أن تقرب الثورة بينهما.. فهي ثورة كل الشعب.. ولم تكن يوما ثورة تنظيم أو جماعة أو حزب.. فهي ربما تكون الثورة الوحيدة في التاريخ التي بلا قائد.. فكيف يقول أحدهم بعد ذلك إنه قائدها ومفجرها وحاميها.. لقد فجرها الشعب وقادها الشعب وحماها الله. صعبت عليّ مصر جدا وأنا اقف في ميدان التحرير مع من اعترضوا علي الاعلان الدستوري الأخير الذي اصدره الرئيس مرسي وواجهته الأحزاب والقوي الثورية والمدنية بحشد ضخم يستحق وصف المليونية، وطالبت بإسقاطه وتراجع الرئيس عنه. المليونية مرت بسلام بفضل سلميتها والتزام من شاركوا فيها.. وبفضل تراجع مؤيدي الرئيس عن الخروج في نفس اليوم لاعلان تأييدهم.. ولكنهم خرجوا يوم السبت بمليونية تأييد تفوق مليونية المعترضين.. مفيش حد أحسن من حد. انها حرب المليونيات.. سباق بين الأقدر علي الحشد والصراخ والهتاف.. لم يعد السباق بين الأقدر علي بناء مصر وخدمة شعبها.. بل علي من يقتنص الجزء الأكبر من الكعكة.. وللاسف فالكعكة هنا هي مصر.. لم يطرح أحد مبدأ الحوار.. الرئاسة أعلنت اصرارها علي التمسك بالاعلان وتسلمت مشروع الدستور أمس وقررت طرحه للاستفتاء خلال اسبوعين.. أما المعترضون فهم رافضون لكل شيء ..الرئيس والاعلان والدستور. لا حوار بين الطرفين لأن طرفا يتهم الآخر بأنه قفز علي الثورة وخطفها ويخطط لخطف البلد كلها ..وطرف يتهم الاخر بأنه فلول وخونة وكفرة. وجاءت كلمة القضاء فاصلة بين المليونيتين.. الجمعيات العمومية للهيئات القضائية أعلنت بما يشبه الاجماع تعليق العمل في المحاكم.. القرار جاء دفاعا عن استقلال القضاء ورفضا لكل بنود الاعلان الدستوري.. ولن يعود العمل في المحاكم الا بعد الغائه.. يعني جابوا من الاخر. الرئيس ومن معه مصرون علي موقفهم المؤيد للاعلان.. والقضاة ومن وراءهم في التحرير مصرون علي رفضه وضرورة الغائه.. لا أحد مستعد للحوار.. وتركوا الأمر للشارع هو الذي يحكم.. مليونية مين أكبر. المفروض أن الرئيس مرسي حتي هذه اللحظة هو رئيس كل المصريين.. وليس رئيسا لنصفهم فقط .. فالوقت ليس وقت أغلبية وأقلية.. ليس وقت مليونية من أكبر.. ولكنه وقت التوافق.. والتوافق يعني أن نحكم عقولنا أولا قبل أن نفرض علي نصف الناس ما لا يقبلونه ارضاء للنصف الاخر. كيف تستمر الحياة في وطن كهذا.. كيف تسير الأمور في بلد يكفر نصفها النصف الاخر.. كيف يتحقق أي شيء من شعب يحارب بعضه البعض الاخر بالمليونيات.. مليونية بمليونية والبادي أظلم.