ما أكثر أساتذة القانون، و فقهاء الدستور، الذين عارضوا وانتقدوا ونددوا بكل مسودات مشروع الدستور التي أعلنتها لجنة المستشار الغرياني الواحدة بعد الأخري. ولم يكتف هؤلاء جميعاً بإعلان رفضهم واعتراضهم علي معظم مواد تلك المسودات وإنما تقدموا في الوقت نفسه بالبديل لكل مادة معيبة، ولكل صياغة مطاطة، حفلت بهما كل مسودات الدستور. ورغم هذا الجهد الكبير من جانب الأساتذة الفقهاء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من كارثة مشروع الدستور، إلاّ أن لجنة المستشار الغرياني تعاملت مع اقتراحاتهم بنفس التعالي والاستكبار والتجاهل لترسيخ مشروعهم المعيب الذي أصبح الآن محصناً بالإعلان الدستوري الذي أصدره رئيس الجمهورية منذ أيام! وبالأمس تلقيت رسالة جديدة من الأستاذ الدكتور جورجي شفيق ساري أحد فقهاء القانون الدستوري، والذي كان مهموماً بالدستور المنتظر، وقدم العديد من الاقتراحات البناءة أسعدني نشرها مع غيرها من اقتراحات الكثير من زملائه و زميلاته من أساتذة وفقهاء القانون الدستوري. لم يصدم د. جورجي ساري فيما آلت إليه اللجنة التأسيسية من مسودات. فبدأ رسالته قائلاً: [ للأسف كل ما توقعناه منذ البداية وقع بالفعل، وتحقق علي أرض الواقع. فعندما تخلي مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية وكلف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، قلنا وقال كثيرون للمجلس العسكري بأن يصدر إعلاناً دستوريا مختصراً 10مواد مثلاً لإدارة الفترة الانتقالية، ويُشكل في ذات الوقت لجنة من 50عضوا من الخبراء الدستوريين، ورجال السياسة والمفكرين والمثقفين، وممثلين عن كل فئات وطوائف ومكونات المجتمع والهيئات والنقابات ومنظمات حقوق الإنسان في مصر، لإعداد دستور جديد يتناسب مع التغيير الذي حدث في البلاد بقيام ثورة 25يناير، ويليق بمصر بكل تاريخها وحضارتها وكفاح شعبها علي مر العصور والأزمنة، وتتوافر فيه كل أسس الدساتير الديمقراطية في الدول الحديثة والمتحضرة. ولكن فوجئنا وفجعنا في ذات الوقت بارتكاب المجلس العسكري خطأ قاتلا ترتبت عليه كل الكوارث والنكبات والمصائب التي نعاني منها الآن]. وأضاف أستاذ القانون الدستوري في جامعة المنصورة والمعار حاليا لدولة الكويت قائلاً: [هذا الخطأ المميت والمدمر هو قيام المجلس العسكري بتشكيل لجنة من عناصر جلها ذات توجه معروف لتعديل بعض مواد دستور 1971الساقط أصلاً بقيام ثورة يناير. ثم أجري استفتاءً عليها في19مارس فيما يُعرف ب"غزوة الصناديق"، ثم تلا ذلك سلسلة من الأخطاء الفجة بإضافة55مادة أخري إلي هذه المواد الثمانية المستفتي عليها وعدَّل في بعضها دون استفتاء، وأصدر في30مارس 2011ما يُعرف بالإعلان الدستوري. وهو في حقيقته دستور مؤقت. ثم أصدر عدة إعلانات معدلة وملحقة به تفصيلاً علي رغبات الطرف الثاني معه في الصفقات التي أبرماها معاً مراعين فقط مصالحهما الخاصة، ضاربين بعرض الحائط مصلحة الوطن والشعب. ثم الإصرار علي إجراء الانتخابات أولاً قبل وضع الدستور، فكيف نبني البناء قبل وضع الأساس؟!] .. وللرسالة المهمة بقية.