»هل هناك من يريدون اقتلاع تاريخنا الحضاري أي جذورنا وإمتهان إبداعات العقل المصري؟« السبت: هل النموذج الذي نتوق إليه.. ان تتحول بلادنا كلها لتصبح صحاري أفغانستان؟ هل أصبحت مهمتنا ورسالتنا هي هدم وتحطيم معالم كل حضارة كما حطم رجال حركة »طالبان« التماثيل التاريخية العظيمة، ومنها تمثال »بوذا«، الذي كان الزوار يتدفقون من انحاء العالم.. لمشاهدته. والعرب الذين يهمهم كسب تأييد العالم لصالح قضية الشعب الفلسطيني المشرد منذ 64 عاما وقضاياهم الاخري.. لا يعنيهم في شئ أن يثيروا غضب وسخط خمسمائة مليون بوذي، ولا يعنيهم في شيء أن ينظر العالم إلي من ينسبون انفسهم إلي الاسلام.. باعتبارهم برابرة العصر الحديث الذين يدمرون الآثار التاريخية والحضارية. تماما كما اجتاحت الدهماء متحف بغداد تحت حماية جنود الاحتلال الأمريكي، وكما جري الفتك بالابرياء والنساء والشيوخ والاطفال في قري الجزائر.. وعلي أيدي »الافغان العرب«. الآن.. هناك مصري يتفاخر بأنه يشارك في تنفيذ الاوامر الصادرة من محمد عمر القائد الاعلي لميليشيا طالبان في فبراير عام 2001 بتدمير جميع التماثيل في افغانستان. هذا العائد من افغانستان شارك في تدمير اكبر تمثالين لبوذا في العالم، وهما التمثالان الهائلان في وادي »باميان« بوسط افغانستان، وعلي مسافة حوالي مائة ميل من العاصمة كابول. ظل التمثالان في مكانهما قرابة ألفي عام يطلان علي القوافل المارة في طريق الحرير التاريخي الشهير، الذي يمتد إلي الصين من داخل فجوة كبري في منحدر صخري شاهق في واجهة جبل »هندوكوش«. لم يفكر »جنكيزخان« السفاح المغولي الذي أراد أن يكون »قاهر العالم« و »ملك ملوك الدنيا«،.. ولا الغزاة الذين سبقوه أو جاءوا بعده إلي افغانستان، في المساس بهذه التماثيل. ولم يرتكب أحد تلك الجريمة المروعة ضد الثقافة وتراث الشعب الافغاني.. بل تراث البشرية جمعاء.. سوي حركة طالبان.. وهذا المصري المشارك في الجريمة الهمجية. لقد فشلت المدفعية المضادة للطائرات في تدمير التمثالين، كما فشلت نيران الدبابات.. فجاءوا بشاحنة كبيرة محملة بالديناميت من كابول وصنعوا عدة حفر في جذوع التمثالين.. وضعوا فيها شحنات الديناميت لكي يتمكنوا من تحطيم التمثالين! لم تكن التماثيل رمزا للشرك ولم يكن هناك من يعبدها... لا في افغانستان.. ولا في غيرها.. ولكنها الأمية الثقافية والجهل المطبق والافتقار إلي البعد الانساني، واحتقار ما يحترمه ويحبه الآخرون. ولم يحدثنا من شارك في تحطيم التماثيل عن موقفه من زراعة المخدرات في افغانستان علي ايدي ممن كانوا يصدرون آلية الأوامر، أو منع الفتيات من التعليم، أو قتل الناس بلا محاكمات أو الاطفال الذين كانوا يموتون من الجوع والصقيع. مبعث الفخر والكبرياء الاحد: اذا سافر المصري إلي دولة أخري لابد أن يجد من ينظرون إليه باحترام وتقدير، لانه ينتمي إلي البلد الذي شهد مولد الحضارة الانسانية. وعندما قمت بزيارة لموسكو عقب هزيمة يونيو 1967، قال لي رئيس اتحاد الصحفيين السوفيت انهم يواجهون مشكلة، وهي ان مواطنيهم شرعوا يوجهون اللوم إلي حكومتهم لانها قدمت مساعدات وأسلحة لمصر.. لم يتم استخدامها بل استولي عليها الاسرائيليون خلال غزوهم لشبه جزيرة سيناء، بينما توجد العديد من العائلات السوفيتية التي تعيش في غرفة واحدة. وعندما سألت رئيس اتحاد الصحفيين السوفيت عن الكيفية التي يعالجون بها هذه المشكلة، قال: لم نجد وسيلة سوي تذكير المواطنين عندنا بالحضارة المصرية القديمة التي بهرت العالم لكي نقنعهم بأن ما تعرضت له مصر ليس سوي »كبوة« او نكسة عارضة.. سوف تنهض بعدها وتسترد ارضها وكرامتها. وخلال زيارات عديدة لأماكن أثرية في اوروبا.. كنت اسمع المرافق يقول لي في زهور وتفاخر: تصور.. ان هذا المكان تم تشييده منذ ستمائة سنة!! ثم يستدرك علي الفور لكي يقول: »أسف. إنني اعتذر لك. لقد نسيت انك قادم من مصر.. ومثل هذه الفترة الزمنية ستمائة عام لا تأثير لها عندك، لان لديك آثارا خالدة منذ آلاف السنين«. وأعرف انه يوجد في اركان الدنيا من يقضون طوال حياتهم يعملون لكي يدخروا قدرا من المال لتغطية نفقات رحلة إلي مصر لمشاهدة الاهرامات وابو الهول وتحقيق هذا الحلم العزيز لديهم. هنا.. فجر الضمير ومولد الأخلاق وأعظم آثار العالم علي وجه الاطلاق. ومعجزات مصر الحضارية تعطي للمصريين الثقة في انفسهم وفي قدراتهم.. فالشعب الذي صنع هذه المعجزات قادر علي ان يصنع اكثر منها الآن اذا تخلص من قيود التخلف وانطلق في مسيرة التقدم. ومصر باعتراف المؤرخين هي التي اخترعت الحضارة الاولي، وعندما تعمق »اليوت سميث«، عالم الطب والانثروبولوجيا الانجليزي في بحث تاريخ الفراعنة في بداية القرن الماضي، توصل إلي نتيجة قاطعة: »ان هذا العالم كان أمة واحدة هي مصر، التي اخترعت المدنية، ثم امتدت هذه المدنية إلي انحاء العالم«. ويقول العالم البريطاني »جيمس هنري برستد«!! »ان المصريين هم الذين علّموا العالم مبادئ الاخلاق«.. وتؤكد الباحثة الفرنسية »كريستين نوبلكور« ان مصر هي التي اخترعت الكتابة والحساب والمدارس والتلمذة.. ومن يدري.. لو لم تكن مصر قد فعلت ذلك، ربما اتخذ تاريخ البشرية مسارا اخر«. فهل يأتي بعد ذلك من يطلقون حشرجات سوقية لا علاقة لها بالعلم أو بالتاريخ أو الدين لمجرد الثرثرة؟ أم ان هناك من يريدون إقتلاع تاريخنا الحضاري الرائد أي جذورنا وهدم كنوزنا الأثرية لزعزعة وجودنا وتقويض أركان تماسك الشخصية المصرية وامتهان إبداعات العقل المصري واستئصال الشعور بالانتماء؟ قد يجهل هؤلاء ان هناك في العالم الآن.. »علم المصريات«، الذي ولد في القرن التاسع عشر، وهو يشتمل علي مواد علمية هائلة وغنية تغطي آلاف السنين حول فروع كثيرة في مجري مرحلة زمنية تمتد منذ فجر الانسانية. ويزداد عدد علماء المصريات علي مر الايام، لان الحضارة المصرية تركت شواهد فريدة يعرفها العالم كله.. ولأن الآثار، ومنها التماثيل، جعلت الدنيا تفتتن بمصر ويعود جنون الاعجاب بالمصريات والانجذاب الشديد إلي الحضارة المصرية مع ظهور شعار »العودة إلي مصر«. واتذكر الآن كيف تمتد تعبئة فرق من علماء الآثار الذين جاءوا من مشارق ومغارب الارض في زمن محدود لانقاذ الآثار المصرية عند بناء السد العالي. أليست هذه الآثار مبعث فخر وكبرياء كل مصري؟ هل هناك من يريدون ان نستنكر تاريخنا وان نعتبره بقعة سوداء ونتنصل منه ونحتقره ونزدريه بينما يحسدنا العالم كله، لاننا من سلالة هؤلاء الذين قادوا الدنيا إلي طريق المعرفة والعلم والتحضر والرقي، وقدموا النور لعالم غارق في الظلام؟! أم ان هناك من ينكرون اصلا وجود الوطن، ولا يعرفون ان هناك »الوطنية المصرية«؟ رمز الخلود الاثنين: قدم لنا الصديق والزميل الصحفي الراحل »محمد العزب موسي« قبل عدة عقود مادة رائعة في كتابه الممتاز »أسرار الهرم الاكبر«.. الذي لابد ان يقرأه من يجهلون كل شئ عن أعظم آثارنا جميعا. وفيما يلي سطور من هذا الكتاب القيم: الهرم هو أقدم العجائب السبع في العالم القديم، وهو أعلي بناء أقامته يد الانسان حتي بداية القرن العشرين. هرم خوفو الاكبر هو رمز الخلود، وقاهر الزمن، ودليل الصبر، وعنوان الرسوخ والصلابة، ومعجزة في البناء الهندسي والمعماري في كل العصور. لم يعد للعجائب السبع وجود، فقد اصبحت اثرا بعد عين.. إلا الهرم الاكبر، الذي لا يزال قائما يتحدي الزمن. وكم سحر هذا الهرم من أجيال الكتاب والفنانين، الذين مروا بساحته منذ أقدم العصور ومن كل الاجناس والألوان. مئات المؤلفات العلمية القيمة كتبت عن الاهرامات في انحاء العالم. كتلة الهرم تكفي لبناء سور حول ثلثي خط الاستواء وطبقا لبعض التقديرات، فإن احجار الاهرامات الثلاثة يحوي من الاحجار ما يكفي لبناء سور حول فرنسا ارتفاعه عشرة اقدام وعرضه قدم واحد. واذا تحولت كتلة الهرم إلي مكعبات تكون ابعادها: قدما طولا وعرضا وارتفاعا، ووضعت في صف واحد، فان هذا الصف يمتد لمسافة تعادل ثلثي محيط الكرة الارضية عند خط الاستواء.. ذلك أن هرم خوفو وحده يحوي مليونين ونصف مليون حجر.. يزن الواحد منها 2.5 طن في المتوسط. ولم يخطر علي بال اي باحث أو عالم ان الغرض من بناء الاهرامات.. ان يعبدها الناس »!!« كما يزعم من يعيشون خارج الزمن!